البارت الأول .. رسالة لم تصل

 رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟! 


بقلم / سمر الكيال 

حسناء الكيال 


البارت الأول 


تدلف إلى شركتها بكل هيبه ووقار يخشى منها الجميع ، اخذت نظرة قاسية على جميع الموظفين ، ودلفت إلى غرفة مكتبها بعد أن تحدثت إليها السكرتيرة 

صباح الخير يا فرح هانم 

فرح بجدية معتادة : هاتيلي كل الملفات على مكتبي وابعتيلي فارس .

نور وهي تخرج تمام حضرتك 

جلست فرح على كرسي مكتبها وبدأت في مباشرة عملها وفي هذة الأثناء دق الباب واذنت للطارق بالدخول 

نور : الملفات مع فارس بيه و بيراجعها بنفسه و هيخلص وييجي لحضرتك 

فرح : خلاص اتفضلي انتي يا نور 

بعد قليل دخل فارس إلى مكتبها ..

فارس : صباح الخير يا فرح 

فرح بجدية : صباح الخير ... خلصت مراجعة الأوراق انا مش عايزة ولا غلطة الصفقة دي مهمه للشركة وخصوصاً إن داخل فيها اكبر منافس لينا شركة السوهاجي 

فارس وهو يجلس : متقلقيش خالص هو من ساعة ما دمجنا الشركتين واحنا خلاص مبقاش لينا منافسين ...

وأكمل فارس بعد أن تنحنح : فرح ممكن اتكلم معاكي في موضوع مهم .. بقالي فترة بحاول افتحه معاكي ومش عارف هتكون رد فعلك ايه .. بس باباكي كلفني اتكلم معاكي فيه ...

فرح بعصبية : انا عارفه انت هتتكلم هتقول ايه وفر على نفسك الكلام في الموضوع ده ...

وكاد أن يهم فارس بالرد ولكن فرح قاطعته : لو سمحت الموضوع ده انتهى بالنسبالي .. اتقفل وانتهى على كده ..

فارس وهو يقف من مكانه ويقول بكل قسوة : ليه بتعملي ف نفسك كده وتتعبي اللي حواليكي مش كفاية عذاب بقى .. عموماً بقى هما كلهم كانوا مخبيين عليكي أن مامتك تعبانه جدا وانتي بعندك ده حتى مش عايزة تروحي تشوفيها وانتي عارفه كويس اوي إن أول ما تشوفك كل تعبها هيروح ، وعموما على راحتك يا فرح عايزة تروحيلها روحيلها ، مش عايزة براحتك لكن انتي هتقدري تعيشي لو حصلها حاجه من غير ما تشوفيها .

وأنهى حديثة ورحل و تركها مع صراع داخلي لم يهدأ رغم مرور السنين ....

وبعد انتهاء يومها في العمل وفي طريق ذهابها للمنزل اتخذت قرارها الأخير بتغيير وجهتها إلى ڤيلا " ابو زيد " 

هذا الطريق الذي تحفظه عن ظهر قلب الذي كان منزلها سابقاً, وكانت تحمل مع هذا الطريق في كل خطوة الكثير و الكثير من الذكريات......

وصلت أمام باب الڤيلا كان النهار يميل إلى المغيب... الشمس تتوارى خلف غيمات حزينة، كأنها تعرف إلى أين تذهب فرح اليوم.

مرّت سنوات... لكنها لم تطأ عتبة هذا البيت منذ رحيله...

سنوات من وجعٍ صامت... وكلمات لم تُقال...

لكن اليوم اضطرت للذهاب ... لزيارة أمها التي اشتد بها المرض.


توقفت السيارة أمام الفيلا العتيقة... قلبها يخفق بشدة... يداها تتشبث بالمقود للحظات قبل أن تنزل.

رفعت عينيها إلى الشرفات المغلقة... نفس المكان... نفس الرائحة... نفس الألم.


فتحت البوابة ببطء...

الحديقة صارت مهملة... الورود ذابلة... الأشجار ناحلة، كأنها تبكي صاحبها الذي لم يعد.


صعدت الدرجات... وقفت لحظة أمام الباب...

تنفست بعمق... ثم طرقت طرقات خفيفة.


فتحت لها خالتها الباب... وجهها شاحب، ابتسامة متعبة تسبقها دموع العينين:

"نورتِ يا فرح... وحشتيني يا بنتي."


دخلت... العتاب في العيون... والحب في القلوب.

عبرت الصالة... خطواتها بطيئة... كل زاوية تحكي قصة... كل ركن يردد اسم محمد.


دخلت غرفة الجلوس...

كانت أمها جالسة، جسدها ضعيف... لكن عينيها لم تخطئها:

"فرح؟!"

نادت بصوت مرتجف... ودموعها سبقت كلماتها.


أسرعت فرح نحوها... جثت أمامها... احتضنت يديها:

"وحشتيني يا أمي... سامحيني ع الغيبة."


لم تستطع ليلى إلا أن تبكي:

"كنت بستناكي... طول السنين دي... كل يوم... يمكن تيجي... يمكن تدخلي البيت ده تاني ..."


كأن الكلمات اخترقت قلبها...

أغمضت عينيها... دمعة ساخنة انزلقت على خدها.

كل شيء عاد... الألم... الحنين... الأسئلة التي ظلت بلا إجابة.


نظرت إلى الجدران...

هنا كان صوته... وهنا كان يضحك... وهنا... ودّعها بصمت.


فرح همست بصوت متهدّج:

"مش عايزين عتاب يا ماما انتي عارفة إن غصب عني ..بس سيبك مني انتي اخبارك اي وليه محدش جابلي سيرة إنك تعبانة ."

ليلى : انا كنت فعلا تعبانة بس لما شفتك بقيت احسن . وحشتيني .

إلهام : وحشتينا ي بنتي انتي الحاجة الوحيدة اللي فاضلة من ريحتة .

قطع هذه اللحظة سعال ليلى الشديد ف وقفت فرح.. ماما انتي كويسة ..اااه ي حبيبتي متخفيش 

فرح :طيب تعالى اطلعي الاوضة بتاعتك عشان ترتاحي . ذهبت معاها ليلي الى غرفتها لترتاح فهي حقا متعبة وبعد أن دثرتها في سريرها واطمأنت عليها و وعدتها بزيارتها باستمرار .. وقبل أن ترحل قالت لها ليلى " محمد كان بيحبك اوي "

خرجت من الغرفة .. دموعها لم تجف بعد.

في قلبها شيء ثقيل... كلمات والدتها ما زالت تتردد في أذنها " محمد كان بيحبك اوي " 


سارت ببطء في الممر الطويل...

كلما خطت خطوة، كان قلبها يدق أقوى... كأنها تسير نحو شيء خافت أن تواجهه طيلة هذه السنوات.


وقفت أمام الباب...

باب غرفة محمد... المغلق منذ رحيله...

لم تجرؤ أن تفتحه من قبل... لا حين مات، ولا بعدها...

كانت تمرّ أمامه وتشيح بعينيها... كأنها تخاف أن تطالها رائحة الذكرى... أو أن تنكسر أمام شبح الحنين.


مدّت يدها ببطء... أصابعها ارتجفت وهي تلامس المقبض البارد...

ترددت... ثم أغمضت عينيها... وفتحت الباب.


هواء قديم... ثقيل... كأن الغرفة حبست أنفاسها كل تلك السنين.


خطت إلى الداخل...

كل شيء كما هو... كما تركه...

المكتب... الأوراق... العطر الذي تعرفه جيدًا... معطفه معلق خلف الباب...

وسريره... مرتب كأنّه كان سيعود للنوم فيه تلك الليلة.


لم تستطع الحراك... وقفت في منتصف الغرفة... عيناها تسبح في الأشياء...

كل كتاب... كل صورة... كل أثر كان يصرخ باسم محمد.

تقدمت خطوات خفيفة... الهواء ثقيل... قلبها أثقل.

مدّت يدها المرتجفة... أصابعها مرت على حافة المكتب...

خشب بارد... عليه طبقة من الغبار...

كأنها تلمس أيامه... لمسته... صوته... غيابه.


عيناها كانت تسبح في الأشياء...

صورتها مع محمد، في إطار صغير...

وردة جافة بين صفحات كتاب...

سلسال كانت أهدته له في عيد ميلاده، موضوع في علبة صغيرة...


أغمضت عينيها... أخذت نفساً عميقاً...

ثم تابعت تمرير يدها فوق سطح المكتب...

وفي لحظة... أصابعها ضغطت بالغلط على زر صغير...

كان زر تشغيل جهاز الصوت، الموضوع على طرف المكتب...


وفجأة... انبعث صوت...

"انساك... انساك... يا سلام..."

بصوتها... وصوته...

تسجيل قديم... هما الاتنين غنّوه زمان في جلسة صفا... وهي كانت تضحك وهو بيحاول يمشي مع اللحن...


تسمرت مكانها...

شهقت دون وعي...

ألم يمزّق صدرها...

صوت محمد... حي... كأنه جالس بجوارها...

ضحكته وسط الغنوة... نبرته... أنفاسه...


دموعها فرت من عينيها...

ركبتاها لم تقوَ على حملها... جلست على الكرسي مكانه... كأنها تبحث عنه في الفراغ.

"لسّه هنا... لسه صوتك هنا... يا محمد..."

قالتها وهي تبكي... وكل خلية فيها ترجف.


نظرت إلى جانب المكتب...

كان هناك دفتر جلدي... قديم...

ذاك الدفتر... الذي لم تعرف يومًا ما كان يكتب فيه...

سحبت الدفتر ببطء...

يداها كانت ترجف بقوة... عيناها غائمتان بالدمع.


قبل أن تفتحه... ارتفع شيء من جانب المقعد...

تيشيرت قديم...

قربته منها...

شمت رائحته...

نفس العطر... نفس ريحته...

وكأن محمد واقف خلفها... يحتضنها...


وضعت وجهها في التيشيرت... وانهارت تبكي...

"كنت فين... ليه مشيت وسايبني كده؟ ليه حرمتني منك؟"

همست بالكلمات... كأنها تحكي له... كأنها تنتظره يرد.


وبينما الدموع تسيل... فتحت الدفتر...

وما إن رأت أول سطر... حتى شهقت بصوت مرتجف...

قلبها كاد يتوقف...

"فرح... لو يوم قريتي كلماتي... يبقى أنا خلاص..."

ولم تكمل...

عيناها غامت... ودموعها أسقطت كل حرف...

يديها احتضنت الدفتر كأنها تحتضن محمد نفسه...

وقلبها يصرخ...



بقلم / سمر الكيال 

حسناء الكيال 


** انتظروني البارت القادم **

تعليقات

  1. رواية مشوقة

    ردحذف
  2. حلوة بس ياريت يكون في وقت محدد نستنى فية البارت كل يوم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن الكاتبتين: حسناء الكيال وسمر الكيال

البارت الثالث .. منافس قوي

البارت الرابع .. بين الغياب و اليقين