البارت الرابع .. بين الغياب و اليقين
رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟!
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
البارت الرابع
************
(فيلا عيلة أبوزيد - بعد يومين من زيارة النادي)
كان محمد قاعد في مكتبه اللي في الدور الأرضي،
لابس قميص أبيض بأكمام مرفوعة،
نظارته على عينه، واللابتوب مفتوح قدامه، وبيكتب في أوراق الاجتماع القادم.
جو المكتب هادي... إلا من صوت تقليب الأوراق، وصفير خافت من محمد وهو بيركز.
وبهدوء الباب بيتفتح...
تظهر فرح وهي نازلة من فوق،
لابسة بيجامة قطن لونها رمادي فاتح، شعرها ملموم بشكل عشوائي،
وفي إيدها مج كاكاو، وفي عنيها لمعة مقصودة.
- فرح (بنبرة دلوعة وهي بتدخل المكتب):
"يعني تذاكرلي كل مراحل عمري...
وتيجي في أهم سنة هتحدد مستقبلي وتسيبني كده؟!"
- محمد (من غير ما يبص فيها):
"أمال مين اللي بياخد دروس أونلاين بفلوس قد تمن عربية؟!"
- فرح (بتقرب منه وتتكئ على طرف المكتب):
"ماهو محدش بيعرف يفهمني الدروس زيّك يا حمودي..."
محمد وقف الكتابة في ثواني،
بص لها بحدة خفيفة مصطنعة وهو رافع حاجبه:
- محمد:
"عارفة لو حد سمعك وانتي بتقولي 'حمودي'...
كنت أقتلك يا فرح."
- فرح (تضحك ببراءة):
"ما هو محدش في البيت بيخاف مني غيرك."
- محمد (يحرك نظارته، ويخفي ابتسامته):
"لا والله؟
أنتِ اتدلعتي زيادة عن اللزوم."
- فرح (بهمس وهي بتميل قدامه):
"علشان أنت اللي دلعتني."
- محمد (يبتسم أخيرًا وهو بيبعد نظره عنها):
أنا عارف من الأول..عشان كدة قولتلك خليكي أدبي انتي اللي صممتي تدخلي علمي .. إشربي بقى.
- فرح (تضحك):
"علشان أبقى مهندسة... وأشتغل عندك."
- محمد (بحركة تمثيلية وهو يقوم من مكانه):
"طيب ماشي...
طالما كده، أهو هطلع أرضي الموظفة."
"خلاص يا ست فرح،
اطلعي فوق، وأنا هخلص الورق ده وهجيلك أذاكرلك شوية...
بس متقوليش حمودي تاني، احفظي دروسك الأول."
- فرح (بصوت ناعم وهي ماشية ببطء للباب):
"أوكي حمودي..."
- محمد (بضحكة هادية لنفسه):
"ماشي يا فرح ."
(الباب يتقفل، محمد يبص للباب الفاضي،
ويتنهد...)
"مش عارف أذاكر معاها إيه...
أنا اللي محتاج أذاكر مشاعري كل مرة بتتكلم فيها بالطريقة دي."
**************
(غرفة فرح - بعد دقائق)
فرح قاعدة على الأرض، قدامها كراسة رياضيات،
وشعرها ملموم بكحكة غير مرتبة،
محمد يدخل، ومعاه دفتر وقلم، ويقعد جنبها بهدوء.
- محمد (بنبرة عملية):
"وريني المشكلة."
- فرح (تمد له الورقة):
"السؤال ده... مش قادر أفهمه خالص."
(محمد يقرأ لحظات، وبعدين يبدأ يشرح بهدوء، وهو بيرسم خطوط بسيطة على الورقة.)
- محمد:
"بصي... هو بيلف ويدور، بس عايزك تربطي النسبة بالزمن.
يعني افترضي إن الرقم ده هو الوقت، واللي بعده هو السرعة..."
(فرح بتركّز، عينها عليه أكتر من الورقة. بس كل شوية تهز راسها بتفهم،
ولما يفهمها نقطة صعبة تضحك وتقول:)
- فرح (ببساطة):
"أنت عبقري."
- محمد (بصوت هادي وهو يكمل):
"لا... أنا اتعودت عليكي."
(فرح تسكت، مش عارفة ترد... فتحرك الكراسة قدامه عشان يشرح السؤال اللي بعده)
- فرح:
"طب كمل... ما أنا هعتمد عليك طول التيرم."
(محمد يشاور بالقلم على خطوة تانية... بس فجأة:
موبايله بيرن.)
يبص على الشاشة... "فارس".
- محمد (يرد وهو بيقوم):
"ألو..."
- فارس (من السماعة):
"يا محمد إلحقني، في مشكلة كبيرة في حسابات الفرع الجديد،
وفي أوراق مش مظبوطة، لازم تيجي بنفسك."
- محمد (بنبرة ثابتة):
"ماشي، هاجي فورًا."
يقفل الموبايل، يبص لفرح بأسف بسيط.
- محمد:
"آسف يا ست المهندسة... الشركة نادت."
- فرح (بهدوء):
"مافيش مشكلة...
بس لما ترجع تاني، تكمل الباقي."
- محمد (وهو بيخرج):
"طبعًا... إزاي أسيب نص المسألة معلقة؟
ده يبقى عدم احتراف."
(يبتسم بخفة... ويمشي.
وتقعد فرح تبص على الورقة... وبعدين تبص للباب اللي خرج منه.)
- فرح (تهمس لنفسها):
"وإزاي أسيب قلبي... معلق؟"
***********
(فيلا عيلة أبوزيد - أوضة فرح - الساعة 11:40 مساءً)
فرح قاعدة على طرف السرير،
كشكول الرياضيات مفتوح قدامها... بس عينيها مش عليه.
كل شوية تبص للباب... ثم للموبايل.
وكل شوية تضغط على اسم "محمد" في سجل المكالمات...
بس مفيش رد.
- فرح (تهمس لنفسها):
"ليه مش بيرد؟"
تقوم تمشي رايحة جاية في الأوضة...
قلبها بيخبط في صدرها كأنه بيفكرها إنها مش بتقلق كده على حد غيره.
تحاول تهزر مع نفسها بصوت واطي:
- فرح (بصوت مكسور فيه خفة دم مصطنعة):
"يا شيخة... هو مش طفل صغير،
أكيد في الشغل... يمكن نسي الموبايل في العربية..."
تبص للموبايل تاني... تضغط على الرقم...
ترن... ترن... ترن...
ثم: لا إجابة.
عنّيها تدمع، لكن تحاول تمسح بسرعة.
- فرح (بغصة):
"طب لو حصل له حاجة؟
لو تعبان؟
لو اتأذى؟"
تنزل من أوضتها، تمشي في البيت بخطوات سريعة...
تفتح باب المكتب، مفيش حد.
تبص من الشباك، تحاول تشوف عربيته.
ترجع تقعد على أول سلم البيت،
تحضن رجليها، وتتكور على نفسها.
- فرح (بهمس ضعيف):
"يا محمد... ما تخلنيش أعيش اللحظة اللي فيها قلبي يوجعني كده...
أنا ما استحملش..."
تتلفّت حواليها كأنها مستنية صوته يطلع من أي مكان،
تفتكر ضحكته، صوته وهو بيقول "بصي هنا"،
وهو بيشرح، وهو بيغضب، وهو بيهزر...
تقوم فجأة، تمشي على أطراف صوابعها، تروح لأوضته،
تفتح الباب بهدوء... فاضية.
- فرح (تكاد تهمس):
"مش معقول... أنت عمرك ما اتأخرت كده...
أنا حتى لما بزعل...
برجع أسمع صوتك في البيت..."
(لحظة صمت)
- فرح (وهي تبص للسقف):
"هو أنا... بحبك؟
ولا أنا بس اتعودت عليك؟
بس لو كان اعتياد...
كان قلبي ما يتخبطش كده لما تغيب."
**********
(الساعة 1:10 صباحًا - فيلا عيلة أبوزيد - غرفة محمد)
محمد بيوقف عربيته قدام الفيلا،
عينه مرهقة، والمشكلة اللي في الشغل خدت من أعصابه كتير،
بس وهو داخل، قلبه حاسس بشيء مش طبيعي...
يدخل البيت، النور خافت...
يخلع جاكيته وهو طالع السلم،
حاسس بثقل غريب، وهدوء مبالغ فيه.
يقف قدام باب أوضته،
لكن الباب مش مقفول بالكامل...
يدفعه بهدوء...
ويوقف مكانه فجأة.
فرح قاعدة على طرف سريره، ضهرها له،
راسها في إيديها، بتعيط في صمت،
وكل جسمها بيرتعش من الخوف.
يتجمد محمد لحظة،
ثم بصوت منخفض وقلق:
- محمد:
"فرح؟!"
(فرح تسمع صوته،
تقوم فجأة، تلف ووشها مليان دموع،
ومن غير تفكير،
تجري عليه،
وترمي نفسها في حضنه.)
- فرح (بدموع متقطعة):
"كنت خايفة عليك...
كنت متأخر قوي...
وما كنتش بترد...
وأنا... أنا ما كنتش عارفة أعمل إيه!"
(محمد يندهش للحظة...
بس بعدين، تلقائيًا،
يده تتحرك وتحضنها بهدوء،
يده التانية تمسح على شعرها)
- محمد (بصوت مبحوح من التعب والخضة):
"أنا آسف...
كان في مشكلة كبيرة... والتليفون فصل مني...
أنا ما كنتش عايز أقلقك."
- فرح (وهي لسه في حضنه):
"ما تقلقنيش كده تاني...
ما تتأخرش كده...
أنا كنت حاسة إني مش قادرة أتنفس."
(يسكت محمد، ويحس إن فيه حاجة جوه قلبه انكسرت واتجمعت في نفس اللحظة،
يبص لتحت، شعرها على كتفه،
وهو مش قادر يحدد هل اللي بيحس بيه ده خوف... ولا حب... ولا مسئولية... ولا كلهم سوا.)
- محمد (بصوت ناعم):
"عارفة إنك كنت مستنياني...
وأنا... كان كل اللي في بالي وإنا سايق،
إنك أكيد مستنياني."
(تسكت فرح، بس تحضنه أقوى...
وكأنها مش عايزة تسيبه أبداً.)
- محمد (وهو يهمس):
"يلا... تعالي نامي.
كفاية دموع النهارده."
(وهو بيمشي بيها ناحيّة الباب،
تبص له بخوف خفيف.)
- فرح:
"أنا عايزة أقعد هنا شوية...
مش عايزة أبقى لوحدي."
(يبص لها لحظة،
ويهز راسه بإماءة خفيفة ويحملها بين يدي ويضعها على سريرة وقبل أن ينهض من جوارها تمسك يدة بين يديهاوتقول له وهي تنظر داخل عيناه...)
فرح ولسة جسمها بيترعش خفيف من أثر العياط .انا لما خفت ملقتش غير الاوضة بتاعتك هي اللي تحسسني بالأمان عشان فيها رحتك وحاجتك .
محمد بصوت هادئ وناعم . نامي دلوقتي ومتفكريش ف حاجة انا جنبك ومش هسيبك
(و نسيبهم في صمت وهدوء
وفيه سكون دافي بيغلف المشهد،
كأن كل مشاعرهم اتقالت... من غير ما تُنطق.)
*********
(الصباح - غرفة محمد - الساعة 7:10 صباحًا)
ضوء الشمس الدافي يتسلّل من الستارة المخملية الرمادية،
يضرب بخفة على طرف السرير.
محمد يفتح عينيه على صوت العصافير،
يبص حواليه لحظة مش مستوعب هو فين...
ثم يتذكّر كل حاجة.
يقوم بهدوء من على الكنبة الجلد،
يلفّ وشه ناحية السرير...
فرح نايمة بعمق، على طرف السرير،
وشّها هادي، ملامحها مسترخية،
شعرها مفكوك على الوسادة،
ويدها الصغيرة متعلقة بطرف البطانية.
محمد يفضل واقف مكانه،
عينه معلّقة بيها كأنه بيشوف حلم ما اكتملش...
يبتسم ابتسامة صغيرة، فيها راحة... وفيها وجع.
- محمد (بهمس لنفسه):
"مقدرتيش تروحي أوضتك...
كنتي خايفة، زي الطفلة اللي كانت بتستخبى في حضني زمان."
يتنهد بصوت خفيف،
يسيب لها مية معدنية على الكومود بجانب السرير،
ويروح ناحية دولابه... يبدّل هدومه بهدوء.
بعدها يدخل الحمام،
مياه الدش السريعة تكسر هدوء الأوضة لحظات،
ثم يخرج، لابس بدلة كحلي غامق أنيقة،
بيرش عطر خفيف، ياخد مفاتيحه، ويبص لها نظرة أخيرة قبل ما يخرج.
(يخرج من الأوضة، والباب يتقفل بهدوء وراه.)
---
(بعد نصف ساعة تقريبًا - غرفة محمد)
فرح تتحرك بخفة،
تفتّح عنيها ببطء،
تبص حواليها... لحظة ارتباك.
- فرح (بهمس):
"أنا... دي أوضة محمد؟!"
تقوم تقعد على السرير،
عنيها تلمع وهي بتفتكر...
حضنه... خوفها... دموعها... صمته وهو بيطمنها...
تبص حواليها...
تلاقي الزجاجة المية على الكومود،
وتعرف إنه مشي من غير ما يصحيها.
تقوم بهدوء، تمشي في الأوضة كأنها بتلمس ذكرى،
تفرك وشها وتضحك ضحكة صغيرة خفيفة:
- فرح (بصوت ناعم):
"إزاي نمت هنا؟!
أنا إيه اللي خلاني...؟"
ثم تسكت، وعنيها تنزل في الأرض...
وتفهم.
- فرح (بصوت مكسور بخفة):
"عشان كنت خايفة...
وعشان هو الوحيد اللي كنت عايزة أكون جنبه."
(تمسك البطانية تطويها، وتزبط السرير،
ثم تخرج من الأوضة بخطوات بطيئة،
في وشّها راحة... بس جواها زحمة مشاعر ملهاش اسم.)
********
(مقر شركة عائلة أبوزيد - مكتب محمد - الساعة 11:00 صباحًا)
(المكتب فخم... كله خشب غامق وإضاءة طبيعية داخلة من الشبابيك العريضة.
محمد قاعد على مكتبه، لابس بدلة كحلي غامق، قدامه لابتوب مفتوح، بس عينه مش عليه...)
محمد ساند ضهره على الكرسي، بيلف القلم بين صوابعه،
وعينه بتبص على نقطة في اللا شيء.
وش فرح وهي نايمة... ضحكتها الخفيفة... صوتها وهي بتقوله "حمّودي"... حضنها... خوفها...
يتنهد تنهد طويل فيه دفء وحزن:
- محمد (بهمس لنفسه):
"كانت خايفة...
كانت حضني زي ما كانت وهي صغيرة...
بس هي دلوقتي كبرت... وأنا كبرت أكتر."
(يدخل فارس من غير ما يخبط، شايل ملف في إيده، وباصص له باستغراب)
- فارس (بمزاح):
"إنت ناوي تفني الشركة بنظراتك ولا إيه؟
مالك؟ شكلك سرحان في كوكب تاني."
- محمد (يفوق شوية ويبتسم ابتسامة مجاملة):
"كنت... بفكر بس."
- فارس (يقفل الباب ويقعد قدامه):
"بتفكر؟ ولا بتتوه؟
وشك بيقول إنك مش هنا خالص.
وبما إني حافظك...
هسهلها عليك وأقول: كنت بتفكر في فرح، صح؟"
(محمد يضحك بس ضحكة هادية ومكسورة)
- محمد:
"هي... كانت مرعوبة امبارح...
ولما دخلت لقيتها نايمة على سريري، وعينيها فيها خوف ودموع...
حضنتني كأن العالم كله وقع عليها..."
- فارس (بهدوء):
"وطبعًا قلبك وقع ساعتها..."
- محمد:
"أنا مش عارف...
هي لسه شايفاني محمد اللي بيزاكرلها؟
اللي بيهزر معاها؟
ولا هي حسّة بحاجة تانية؟
أنا مش قادر أعرف."
- فارس (يفكر لحظة):
"بص... لو عايز تعرف هي شايفاك إزاي... لازم تحطها قدام لحظة تختار فيها،
مش بكلام... بأفعال.
ادفعها إنها تاخد موقف، حتى لو بسيط،
شوف رد فعلها، شوف عنيها، شوف غيرتها، أو ضيقها...
المشاعر دايمًا بتفضح نفسهم، حتى لو حاولوا يخبّوها."
(محمد يفضل ساكت لحظة، وبعدين يومئ برأسه وكأنه اقتنع...)
(طرق خفيف على الباب، تدخل السكرتيرة بهدوء)
- السكرتيرة:
"عذرًا يا فندم، الأستاذ أحمد السوهاجي موجود في الاستقبال...
بيقول إنه عايز يقابلك ضروري."
(محمد يبص لفارس بسرعة... وفارس يرفع حواجبه بتلميحة صريحة)
- فارس (بمزاح ساخر):
"الحلو جه... شد حيلك يا باشا،
المنافس دخل الحلبة."
- محمد (بنبرة هادئة بس فيها توتر):
"خليه يدخل."
**************
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
** انتظروني البارت القادم **
رائع
ردحذفتحفة كملي
ردحذفعايزة اعرف المواعيد النشر
ردحذفحلو كتير
ردحذفكملي
ردحذف