البارت الثامن .. أنساك ؟ ده كلام ؟
رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟!
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
**** البارت الثامن ****
مرّت قرابة شهرين...
شهرين من المذاكرة، والتعب، والقلق، وسهر الليالي.
والنهاردة؟
كان اليوم اللي فرح استنّته كتير...
آخر يوم امتحان. نهاية مرحلة.
فتحت باب الفيلا وهي بتضحك، وشها منور كأن الشمس نورت خصيصًا عشانها، شنطتها مرمية على كتفها بإهمال، وقلبها خفيف لأول مرة من مدة طويلة.
في مطبخ الفيلا...
كانت ريحة الكيكة لسه مالية المكان، وضحكة فرح وهي بتحكي عن آخر سؤال في الامتحان كانت شغالة في الأجواء.
ليلى قاعدة على الكرسي، وإلهام بتقلب في كوبايتين شاي على البوتجاز، وكل شيء حواليهم بيقول إن البيت النهاردة عايش لحظة فرحة.
وفجأة...
الباب اتفتح بهدوء، ودخل محمد، بشنطة صغيرة في إيده، ولسه لابس قميصه الكحلي مفتوح أول زرار من التعب، لكن وشه منور وهو بيشوفهم.
بص لفرح وضحك وهو بيقول:
- وأخيرًا خلصنا مرحلة الثانوية!
فرح لفّت ليه بسرعة وهي بتضحك وتمد إيديها بمرح:
آهــو خلصت... فين بقى السفر اللي وعدتني بيه؟ ولا كنت بتضحك عليا؟
قرب منها محمد بخطوات تقيلة متعمدة، وحط الشنطة على الترابيزة وقال وهو بيميل ناحيتها بخفة:
أنا مسافر شرم كمان يومين عندي شغل هناك... لو حابة تيجي معايا، أنا موافق جدًا يعني.
فرح قعدت على الكرسي بتاعها واتكأت على الكاونتر وقالت بدلع وهي بترفع حواجبها:
لا يا سيدي، دي مش السفرية اللي انت وعدتني بيها! أنت رايح تشتغل، يعني مش هتبقى فاضيلي أصلاً!
ضحك محمد وهو بيفتح تلاجته الصغيرة وياخد منها زجاجة مية:
أحمدي ربنا إني لسه ناوي أفسّحك قبل ما أشوف مجموعك هيوديكي فين... ولسه ما جبتيش شهادة الثانوية!
إلهام قربت من محمد وبابتسامة هادية قالت:
بس والله عندها حق يا محمد... وعدتها تسافرها، مش تشتغلها!
محمد شرب شوية مية وقال وهو بيبص لهم كلهم:
خلاص يا ستي... هنسافر كلنا مع بعض!
فرح بسرعة وبفرحة:
يعني ماما و طنط إلهام كمان؟!
محمد راح باصص لليلى اللي ابتسمت وقالت وهي بتعدل نضارتها:
لا يا حبيبي، روحوا أنتوا... إحنا نرتاح شوية منكم.
إلهام ضحكت وقالت وهي بتقلب الشاي:
وهي بصراحة فرصة إنكم تقضوا وقت سوا بعد الامتحانات... بس أنا ماليش في الشمس قوي.
محمد قال بخفة وهو بيبص لفرح:
خلاص يا آنسة، جهّزي شنطتك... قبل الشهادة ما تبان وتجيبي مجموع وحش ، هتتحبسي في الأوضة!
فرح رمت عليه فوطة المطبخ وهي بتضحك:
وأنت مالك أصلاً!
ضحك الكل... وسابوا اليوم يكمل بنكهة خفيفة، ما بين بهجة صغيرة وسفرية لسه بيتكتب فصولها.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
إسطنبول - مقر شركة عماد
الجو في إسطنبول صيفي لطيف، والسماء ملبدة ببعض الغيوم، والهواء يحمل نسمات هادئة، لكنها مش قادرة تهدي العاصفة اللي جوه قلب نازلي.
الشركة فخمة وحديثة، تطل نوافذها الكبيرة على البحر، والديكور أنيق يعكس شخصية عماد اللي دايمًا بيهتم بالتفاصيل.
المكتب - ظهيرة اليوم
عماد واقف عند النافذة، ظهره لنازلي، بيده فنجان قهوة تركي ما شربش منه حاجة.
نازلي داخلة عليه بابتسامة دبلوماسية تحمل تحتها توتر كبير:
نازلي (بهدوء وهي بتقفل الباب):
جتني نسخة مبدئية من العقود... شكل الشراكة مع الشركة المصرية قربت تتم.
عماد، بنبرة ثابتة، من غير ما يبص لها:
ده لو كل حاجة مشت زي ما خططنا.
نازلي (بنغمة مترددة):
طيب... لو الشراكة دي تمت، هتستقر في القاهرة؟
(تبتلع ريقها وكأنها بتخاف من الإجابة)
عماد، يتنهد، يحرك كتافه بتعب، وبعدين يرد بنبرة فيها حنين مش متحكم فيه:
احتمال كبير... لازم أكون قريب من المشروع.
نازلي (نبرة صوتها واطية، حزينة):
ولسه... بتحبها؟
عماد يلتفت أخيرًا، وعيونه فيها سُهاد قديم، وملامحه مش واضحة أوي، كأنه بيهرب من الحقيقة:
هتصدقيني لو قلتلك... مبقتش عارف؟
(صمت تقيل يخيم على الغرفة، نبضات قلب نازلي بتعلى جوه صدرها، لكن هي بتبتسم ابتسامة مصطنعة وتخرج من المكتب)
---
الحمّام الداخلي في الشركة - بعد دقائق
نازلي واقفة قدام المراية، الكحل سايح خفيف من تحت عنيها، بتحاول تمسحه، لكن إيديها بتترعش، صوت أنفاسها مكتوم، بتحاول متنهارش.
تبص في المراية وتهمس، وكأنها بتكلم نفسها للمرة المية:
نازلي (بكسرة قلب، بصوت مبحوح):
هل أنا... هقدر أعيش من غيره؟
(تتنهد، عينيها تمتلئ بالدموع وهي تكمل)
معقول بعد كل اللي بعمله علشانه... لسه بيفكر فيها؟
بيفكر فيها... وبيحن لها...
تلمس المراية بطرف صباعها، كأنها بتلمس صورة خيالية لعماد جوه المراية، وتكمل وهمسها اتحوّل لنشيج مكتوم:
أنا بس كنت عايزة يبصلي نفس النظرة... اللي محتفظ بيها للي كانت قبلي.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مكتب محمد - الشركة - القاهرة
الساعة قرابة الثانية ظهرًا. الشمس مدفونة ورا زجاج المكتب العاكس، لكن الداخل مضيء بنور دافئ ولون خشب المكاتب الفاخر. محمد قاعد ورا مكتبه، لابس قميص أزرق سماوي مشمر كمه، وبيراجع ملفات السفر والاتفاقات.
فارس داخل، شايل لابتوب، وبيبتسم بهدوء كعادته.
محمد (بيرفع عينه من الورق):
تعالى يا فارس، اقعد... أنا عايزك تمسك كل حاجة وأنا في شرم.
فارس (وهو بيقعد قدامه):
- قوللي الأول، السفر شغل بس؟ ولا فيها ركنة عاطفية كده على البحر؟
(يضرب كفّه بكفّه بخفة دم)
محمد (يبتسم بزاوية شفايفه، لكن نبرة صوته جدية):
لأ... أنا واخد فرح معايا، بس ده مش معناه إننا رايحين نصيف.
(يقلب ورقة من الملفات)
المشروع كبير، وشركة السوهاجي أول مرة نتعامل معاهم، ومش هجازف أسيب كل حاجة في إيدهم من غير ما أبقى فوق راسهم.
فارس (يهز راسه بتفهم):
وأنت طبعًا مش مطمن غير لما كل حاجة تمشي على مزاجك.
محمد (بصرامة رقيقة):
لما تكون مسؤول عن شركة بالحجم ده، مش مزاج... ده واجب.
(يقف ويبدأ يمشي قدام المكتب)
لحد ما الشركاء من إسطنبول ينزلوا، عايز كل حاجة تبقى مظبوطة، أرقام، تسليمات، التزامات... انت عارف.
فارس (يرفع حاجبه ويبتسم بمكر):
يعني سفرية فيها فرح... وهتشتغل؟
(يغمزله بخفة دم)
محمد (يضحك وهو بيرجع يقعد):
دي اللي هتتعبني هناك، عايزة اليوم كله فسح وأغاني و"حمودي خلص شغلك وتعالى"!
(يضحكوا هما الاتنين)
فارس (بنغمة مرحة):
ربنا يعينك... بس هي فعلاً كبرت خلاص يا محمد.
(ينظر له بنظرة فيها عمق)
بقيت آنسة... مش بتاعت مدارس وواجبات.
محمد (يبصله بنظرة ساكتة شوية):
عارف... وبصراحة، ساعات بخاف أكون أنا السبب إنها تفضل شايفاني دايمًا "حمودي" مش أكتر...
فارس (برقة):
وهي؟ شايفاك إزاي؟
محمد (يحاول يغيّر الموضوع):
خلينا في الشغل يا فارس... الشغل عمره ما وجع القلب.
فارس (بضحكة عالية):
- لأ دا وجعه بيجي في صورة شيت إكسل وأوفرديوز!
(يضحكوا تاني)
محمد (بياخد نفس عميق):
المهم... إيميلات المتابعة تبقى يومية، وأول ما نوصل هناك أبعتلك كل التفاصيل.
وأوعى تنسى تسلمهم البريزنتيشن بتاع التصاميم.
فارس (واقف وهو بيقفل اللابتوب):
حاضر يا باشا، الشغل في عيوني... والبنت في عيونك.
(يغمز تاني وهو ماشي)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فيلا العيلة - باب البيت - صباح السفر
(محمد واقف عند الباب، ماسك المفاتيح، لابس تيشيرت زيتي غامق وبنطلون جينز، بيبص في ساعته.)
محمد (بهدوء):
يلا يا فرح، العربية شغالة.
(فرح بتنزل من السلم، لابسة لبس سفر بسيط: بنطلون واسع وجاكت خفيف، شعرها ملموم على السريع.)
فرح (وهي بتقفل شنطتها):
خلصت... جاهزة.
(ليلى بتخرج من المطبخ، لابسة إسدال بيت وبتنشّف إيديها بالفوطة.)
ليلى:
خلوا بالكم من نفسكم... كل ساعة تكلمني يا محمد.
محمد (وهو بياخد شنطة فرح):
حاضر يا لولا، ما تقلقيش.
إلهام (من الصالة):
وماتنسوش تتغدوا كويس أول ما توصلوا.
فرح (بابتسامة بسيطة):
حاضر يا طنط ، هنبعتلكم صور.
(محمد بيبص عليهم وبإشارة خفيفة):
يلا عشان نلحق الطريق.
( يخرجوا بهدوء، الباب بيتقفل، وتفضل ليلى واقفة تبص عليه شوية قبل ما ترجع للمطبخ.)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فندق فاخر في شرم الشيخ - أمام الاستقبال
(محمد واقف عند الكاونتر بيخلّص إجراءات الدخول )
موظف الاستقبال (بابتسامة):
أهلاً أستاذ محمد، تم تجهيز السويت المطل على البحر... إن شاء الله إقامة سعيدة.
محمد (بلباقة):
تسلم، شكراً.
(ياخد كارت الغرفة، يلمح فرح بتتفرج على ديكور الفندق بشغف.)
محمد (بابتسامة وهو بيقرب منها):
يلا يا ست المصيف، هنسلّمك جناحك.
فرح (بضحكة خفيفة):
هو أنا جايه شرم ولا داخله قصر؟
(يطلعوا مع الشنط على السويت... داخل السويت.)
---
السويت - بعد دقائق
(فرح قاعدة على طرف السرير، بتبص على البحر من البلكونة الواسعة، الهوى داخل خفيف والستارة بترفرف. محمد بيحط موبايله على الطاولة ويفك الساعة من إيده.)
محمد (وهو بيتمطى):
أخيراً ريّحنا... السفر كان طويل.
فرح (وهي بتفرد شعرها بإيدها):
بس يستاهل، المكان تحفة.
محمد:
ارتاحي شوية، وبعدين نخرج نتمشى على البحر... نغيّر جو قبل ما ابدأ شغل بكره.
فرح:
تمام... أنا كده كده ناوية ألبس حاجة خفيفة وأشم هوا.
محمد (بصوت هادي):
خدي وقتك... وأول ما تكوني جاهزة، ننزل نتمشى، بس من غير لف ودوران، ما تنسيش أنتِي في إجازة مش ماراثون.
فرح (بضحكة):
حاااضر يا سعادة البيه.
(محمد يبتسم وهو بيطلع كام قميص من شنطته.)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
شاطئ هادئ - شرم الشيخ - ليلًا
(نسيم البحر بيلف بلطف، صوت الأمواج ناعم، والسماء مليانة نجوم. محمد وفرح بيتمشوا على الرمل الناعم، إيدهم في إيد بعض، خطواتهم متناسقة وكأنهم بيمشوا على نفس النبض.)
فرح (بابتسامة دافئة):
فاكر أول مرة خدنا فيها أجازة؟ لما كنت في ابتدائي وكنت بتقولي اختاري أي آيس كريم في الدنيا؟
محمد (يضحك وهو يبص قدامه):
آه طبعًا... واخترتي آيس كريم توت وفانيليا... ووقع كله على فستانك الجديد.
فرح (تضحك بخفة):
كنت بحبك تغضب مني، بس مكنتش بتقدر تزعقلي بجد.
محمد:
ولسه.
(يسود صمت دافي للحظات، خطواتهم تبطأ، يقربوا من الموج، يخلعوا الجزمة ويمشوا حافيين على الرمل المبلول.)
فرح (بصوت هادي وهي تبصله):
عارف... أنا بحب البحر بالليل أكتر. يمكن عشان كنت دايمًا معاك فيه.
محمد (ينظر لها نظرة طويلة):
وأنا كمان... كل الحاجات الحلوة في حياتي، كنتي فيها.
(يقعدوا على الرمل، وبعدين يناموا على ضهرهم جنب بعض، أيديهم لازقين في الرمل، وعيونهم للسماء.)
فرح (بحماسة وهي بتطلع حاجة من شنطتها الصغيرة):
تعرف أنا جايبة إيه؟ جهاز تسجيل الصوت القديم... فاكره؟ اللي كنا بنسجل عليه زمان لما تغنيلي قبل ما أنام؟
محمد (يبتسم وهو يتلفت ليها):
إنتي لسه محتفظة بيه؟
فرح (بابتسامة مليانة دفء):
طبعًا... وأهو معايا النهاردة. بس أنا عايزة أغنية واحدة... زي زمان.
محمد:
بس بشرط... نغنيها سوا.
فرح:
- تمام... بس أنت تبتدي.
(يسود صمت لحظي قبل ما يبدأ محمد بصوت منخفض دافي، وتلحقه فرح بصوتها الناعم. يغنوا سوا، بنظرات كلها شوق وذكريات، صوتهم بيختلط بصوت الموج.)
(تضغط على زر التسجيل، والصمت يُكسر بصوتهم بيغني سوا، نغمة وحنين في كل كلمة.)
محمد و فرح (يغنوا معًا، بنفس):
أنساك... ده كلام؟
أنساك... يا سلام؟
أهو ده اللي مش ممكن أبدًا... ولا أفكر فيه يوم!
ده أنت... عمرى اللي ابتدى بنورك صباحه
وابتدا بيك... نور الأمل والفرحة وارتاحه
ده أنت فرحة سنيني... واللي بعيش ليه سنيني
ده مستحيل أنساك... مستحيل!
(محمد يغمز لها بعينه، وفرح تضحك بخفة، وبعدين يكملوا سوا، وكل كلمة فيها روح، فيها ذكرى، فيها دفء.)
يكملوا الغناء سوا:
أنساك... ده كلام؟
أنساك... ده أنا اللي بغير عليك من نسمة الليل... لو جات تسرق لمحة م عينيك
ده أنا اللي لما تكون بعيد... بسأل عليك حتى في نومي... واسأل عنك ملامح إيديّ!
(وسط الغناء، فجأة محمد يغلط في نغمة، وفرح تبصله، وتحصل لحظة صمت... وبعدين ينفجروا هما الاتنين في ضحكة جامدة من القلب.)
فرح (وهي تضحك):
إنت نسيت اللحن يا نجم؟
محمد (يضحك وهو بيشدها ناحيته):
إنتي اللي طلعتي صوتك عالي وغلبتيني، ركّزت فيكي ونسيت الأغنية!
(جهاز التسجيل لسه شغال... وبيسجّل كل لحظة... الغنوة، الضحكة، النفس، وكل إحساس صادق بين اتنين... لسه مقالش ولا كلمة، لكن الحب بيتقال في كل حركة.)
فرح (وهي تبص للجهاز):
التسجيل ده هيبقى أغلى ذكرى عندي.
محمد (بصوت هادي):
وأنا... بس مش علشان الأغنية... علشان انتي معايا فيه.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
** انتظروني البارت القادم **
تعليقات
إرسال تعليق