البارت التاسع .. كلانا في إنتظار الآخر
رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟!
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
**** البارت التاسع ****
: موقع المشروع – شرم الشيخ – الصباح
ضربت شمس الصباح الأرض بوهجها الهادئ، وكان الهواء يحمل نسمات بحر خفيفة. وقف محمد وسط حركة العمال وصوت الحديد والأسمنت، يتابع باهتمام المهندسين وهم يشرحون له خطة اليوم.
محمد (بتركيز):
لا، أنا عايز أساسات الجزء ده تترفع النهاردة قبل بكره، مفيش وقت نضيعه. المشروع لازم يتسلم في المعاد.
المهندس:
تمام يا فندم، هنكثف الفريق في المنطقة دي.
محمد كان واقف، حاطت إيده على خصره، وعينه بتلمع من التركيز. فجأة، وهو بيقلب ملفات التنفيذ، لمح من بعيد شخصية مألوفة بتدخل الموقع.
ابتسم الموظف المسؤول وقال:
– صباح الخير يا باشمهندس أحمد!
محمد رفع عينه بسرعة.
محمد (بصوت منخفض مستغرب):
أحمد؟!
اقترب أحمد بخطوات واثقة، لابس بدلة عملية وكارنيه الشركة متعلق في صدره. وشه مبتسم، بس ملامحه فيها شوية توتر واضح.
أحمد (بيمد إيده بابتسامة):
صباح الخير يا محمد بيه.
محمد (بياخد إيده، بس نظرته فيها تحفظ):
صباح النور…
(بيسكت لحظة)
مش كنت ف القاهرة؟!
أحمد ابتسم وهو بيعدّل من وقفته، كأن السؤال أربكه.
أحمد (بتوتر بسيط):
آه، كنت... بس حسّيت إن المشروع ده مهم، أول تعاون رسمي بين شركاتنا، فقولت أبقى متواجد بنفسي. غير كده حبيت أشوف الموقع على الطبيعة.
محمد ساب إيده ولف عنيه بين أحمد والمهندسين وبعدين رجع له ببسمة خفيفة جدًا.
محمد (بهدوء وتحفظ):
أكيد حضورك مهم... بس المفروض كان في جدول واضح لتقسيم المتابعة.
أحمد حاول يحافظ على هدوئه:
أحمد:
أنا كلمت الشركة وبلغتهم، وهتابع من هنا كام يوم وأرجع تاني.
محمد (صامت لثواني، وبعدين قال بنبرة غريبة):
تمام… خليك معايا شوية نشوف الشغل فين واقف.
محمد لف، وأحمد مشي وراه، بس جوه محمد في حاجة اتغيرت…
كان بيبص لقدّامه، بس تفكيره في حتة تانية… حاجة مش مريحة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
موقع المشروع – بعد الظهر
وسط صوت الخلاطات، وضجيج المعدات، وحرارة الشمس، واقف محمد ماسك الموبايل بإيده، وصوته هادي لكنه مليان تعب.
محمد (بتنهيدة وهو بيتصل):
فرح؟
أنا آسف… شكل الشغل هياخد وقت أطول، المهندسين لسه مخلصوش اللي طلبته، ومش هينفع أسيبهم دلوقتي.
لو جعانة، انزلي اتغدي تحت، أو اطلبي الغدا فوق زي ما تحبي… بس متتأخريش، وهكلمك أول ما أخلص.
فرح (من ناحيتها):
تمام… بس متتأخرش، ماشي؟
قفل محمد المكالمة، وهو مش واخد باله إنه في أقل من ساعة، حياته كلها ممكن تتغير.
---
مطعم الفندق – بعد قليل
فرح نزلت لوحدها، لابسة فستان صيفي بسيط لونه أزرق سماوي، وشعرها مربوط بسرعة، ملامحها طفولية بريئة لكن فيها شيء ناضج بدأ يظهر.
جلست على ترابيزة صغيرة جنب الزجاج، بتبص على حمام السباحة، بتتصفح المنيو. وفجأة…
صوت من وراها، دافي ومرح:
صدفة حلوة… دايمًا الحلو بيختار نفس المكان اللي أنا فيه؟
فرح (بتبص وبتضحك):
أحمد؟!
أيوة أنا… مش هقاطع أكلك، بس ينفع أشاركك الغدا؟ ولا دي ترابيزة محجوزة لحد؟
فرح (بابتسامة خفيفة):
لا طبعًا، اتفضل.
قعد أحمد، لبسه كاجوال شيك جدًا، العطر اللي لابسه ناعم وهادئ، حركاته كلها فيها ثقة، وكلامه مليان لباقة.
أحمد (بمرح وهو بيبص في المنيو):
يعني لو قلت إن دي تاني مرة نشوف بعض صدفة، هتصدقي؟ ولا هتفتكريني بتعمد أطلعلك من تحت الأرض؟
فرح (بتضحك):
لا، صدفة… بس متكررة!
أحمد (وهو بيركز في عنيها):
وأنا من الناس اللي بيحبوا يصدقوا في الصدف، خاصة لما تكون جميلة كده.
ضحكت فرح وهي بتشرب من العصير، وأحمد كأنه مش شايف الدنيا حواليه… بس لحظة وبيتحول كل ده.
---
مدخل المطعم
دخل محمد… كان رايح يقعد ياخد حاجة بسيطة، عشان لسه مخلص الشغل.
لكن في اللحظة دي، وقعت عينه عليهم… أحمد وفرح، بيضحكوا، بيكلمو بعض، في لحظة شكلها بريء… لكن جواه كان عاصفة.
وقف مكانه، صامت. عينه لمعت، مش من الدهشة، من الغيرة.
محمد (ماشي بخطوات سريعة، قرب عليهم فجأة، بإيده سحب فرح من على الكرسي):
قومي.
فرح (مصدومة):
محمد؟!
قــومي.
أحمد (واقف، بصوت ثابت):
في حاجة يا محمد بيه؟
محمد (قرب وشه منه، بصوت حاد وبارد):
مش عايز أشوفك جنب فرح تاني.
(بيضرب بإيده على الطربيزة، بصوت مكتوم لكنه مليان غضب)
فرح (بهمس):
محمد…
محمد (مابيردش، بيشدها معاه، بيمشي بيها بسرعة)
أحمد، وقف سابهم يبعدوا، ومسَك الكوباية الزجاج، وبإيده التانية ضغط عليها لحد ما اتكسرت، ودم بسيط نزل من كفه… لكن ملامحه مبتتغيرش.
---
السويت – دقائق بعدين
دخل محمد السويت، وساب بابه يتقفل وراه بقوة.
فرح (بصوت غاضب):
انت اتجننت؟!
إيه اللي عملته ده؟!
إنت بتزعقلي… بتشدني كأن…
محمد (قاطَعها، صوته منخفض بس فيه قنبلة):
إنتي فاهمة إيه؟
فاكرة إني كنت ساكت عشان مش واخد بالي؟
في كل مكان ألاقيه… ألاقي أحمد!
يبقى أكيد، أكيد، في حاجة غلط، وإنتي اللي بتفتحيله الطريق.
فرح (اتسعت عينيها، ودموع بدأت تظهر):
انت بتقول ايه؟ انت اتجننت؟
أنا عمر ما حصل مني حاجة غلط!
محمد (بصوت مخنوق، قرب منها):
معقول؟
معقول كل ده ومش شايفة؟
أنا حبي ليكي بيكبر كل يوم، وأنا شايفك بتكبري قدامي، ومش قادر أوقف قلبي…
أنا عارف… عارف إن فرق السن كبير، وإن الناس ممكن ماتفهمش، بس والله، والله، لو كان في إيدي أوقف ده… كنت عملت كده.
(بيمسح دمعة نزلت من عينه، وبنبرة رخيمة كلها حنية)
محمد:
بس أنا مش قادر…
مش قادر أمشي يومي من غير صوتك…
من غير نظرتك…
من غير ما أشوفك قدامي.
(قرب منها، إيده على خدها، قرب لدرجة إن أنفاسهم تلامست، بص في عينيها، بكل صدق الدنيا)
محمد (بهمس):
فرح… أنا بحبك.
سكتت، وعيونها بتدمع، وقلبها بيرجف.
قرب منها أكتر، حط جبينه على جبينها، وأنفه على أنفها… صمت، ونبضات.
ثم رفع يده، وحطها على خدها، وببطء… بكل رقة، بكل شوق مكبوت، بادلها قبلة أولى… كانت نهاية صمت، وبداية وجع جميل اسمه الحب.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بعد لحظة الصمت العميقة والقبلة الأولى
كان كل شيء ساكن. حتى الهوى في الغرفة وقف.
محمد ثبت عينيه في عيون فرح لثواني بعد القبلة، زي اللي بيحاول يقرأ رد فعلها، بس كانت نظرتها ضايعة... لسه تحت تأثير الصدمة، والخجل، وشيء تاني لسه مش قادرة تسميه.
هو، بنظرة مرتعشة ومليانة توتر، فك نفسه من اللحظة، وتنفس بعمق.
محمد (بصوت واطي شبه الهمس):
أنا آسف...
بعدين بص بعيد، وكأن عينه خايفة تواجه الإجابة، وفتح باب السويت بسرعة.
محمد:
خلي بالك من نفسك... هخرج شوية.
وسابها وخرج. قفل الباب وراه بهدوء، لكن من جواه، كان في دوامة بتدوّره.
"هي ممكن تكون شيفاني أخ؟ يمكن غلطت... يمكن كسرت كل حاجة بينا... يا ترى إيه اللي عملته؟"
خطواته كانت بطيئة في الكوريدور، بس قلبه كان بيجري جري.
---
داخل السويت – فرح، بعد لحظات من الصدمة
فضلت واقفة مكانها، مش قادرة تتحرك. وشها كان محمر، وإيديها بترتعش، وكأنها بتحاول تستوعب اللي حصل.
رفعت صباعها ولمست شفايفها بخفة، وعيونها اتسعت.
فرح (بصوت واطي ومرتجف):
هو... بجد... باسني؟!
محمد... باسني؟!
قعدت على طرف السرير فجأة، ولسه في حالة ذهول تام، وبعدين بدأت تضحك... ضحكة متوترة، مكسوفة، فيها بهجة مش مفهومة.
فرح (وهي بتضحك وبتهز دماغها):
لا… لا… لا… أنا بحلم… أكيد دي هلوسة من الحر!
وبعد ثواني من المقاومة، قامت فجأة وبدأت تتنطط في مكانها زي الأطفال، وشها منور وعيونها بتلمع زي لمعة النجوم.
فرح (وهي بتضحك لوحدها):
أنا مش مصدقة...
هو بيحبني؟!
بيحبني بجد؟!
طب ازاي؟ طب ليه دلوقتي؟
طب… ده كان دايمًا بيعمل نفسه الكبير اللي واخد باله مني بس!
وقفت قدام المراية، وبصت لنفسها، ووشها كله توتر وسعادة.
فرح (بابتسامة واسعة وهي بتحط إيديها على قلبها):
قلبي مش طبيعي… أنا بحبه، بموووووت فيه!
يا رب… يا رب ما يكونش ندمان دلوقتي!
---
محمد واقف في الجنينة الصغيرة تحت
واقف، وظهره للحائط، وباصص في الأرض، مسك موبايله، فتح الكونتاكت بتاع "فرح" وبعدين قفله.
"هي كانت ساكتة… ما قالتش حاجة… بس كانت بتعيط؟ كانت مكسوفة؟ فرح… أنا عملت إيه؟"
غمض عينيه بقوة، وحاول يمنع دمعة مش عايزة تنزل.
محمد (بصوت واطي جدًا):
يا رب ما أكون كسرتها… يا رب تطلع مش شايفاني أخ فعلاً…
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
إسطنبول – صباح رمادي لطيف – مكتب عماد
صوت المطر الخفيف على زجاج النوافذ يملأ الفراغ الهادئ.
عماد واقف قدام المكتب يتابع ملف مفتوح، عينيه مركزة لكن باله مشغول.
الباب يُفتح فجأة، بدون استئذان.
نازلي تدخل بسرعة، عينيها فيها توتر ما تعرفش تخبيه.
واقفة مكانها، وصوتها يطلع بنبرة مهزوزة لكن بتحاول تبان قوية:
نازلي:
"يعني... فعلاً هتنزل مصر الأسبوع ده؟"
عماد يلف ليها ببطء، يطول صمته شوية، وبعدين يهز راسه:
عماد (بهدوء):
"أيوه... لازم."
تمسك نازلي أطراف كمها، تعصره في إيدها بصمت، تبص له باستغراب صغير، وبنبرة فيها كتمان كبير:
نازلي:
– "İlk kez yalnız kalacağım... (دي أول مرة هبقى لوحدي...)
Her şey burda, senle başladı... (كل حاجة هنا ابتدت بيك)."
يسكت عماد، ياخد خطوة ناحيتها، يشوف الرهبة اللي في ملامحها، والعين اللي بتحاول تتماسك وما تنطقش أكتر من كده.
صوته ييجي هادي لكن فيه دفء نادر:
عماد:
"عارف...
عارف إن وجودي هنا بقى جزء من يومك... بس في حاجات لازم أخلصها. حاجات من زمان... تقيلة... ولو سبتها كده هتفضل تطاردني وتطارد كل جديد أحاول أعيشه."
تنزل عينيها، تدمع بس تحاول تبان إنها عادي... تمسح دموعها بإيدها قبل ما تشوفه، وترد بنبرة خفيفة، فيها ضعف خفي:
نازلي:
– "Sadece... alıştım. (بس... اتعودت).
Sesine... adımlarına... kahveni bile senin gibi içiyorum. (على صوتك... على خطواتك... حتى قهوتي بقت زيك.)"
يتقدم خطوة، ويده تقرب تمسك إيدها، لكنه يتردد، ويقف مكانه.
عماد (بهدوء، وقلبه متلخبط):
"نازلي... إنتي مش بس جزء من شُغل هنا... إنتي أكتر من كده...
وما بحبش أسيب أي حاجة من غير ما أطمن إنها هتكون بخير... وإنتي بخير، صح؟"
ما تردش، بس تهز راسها بالإيجاب، وهي تبص بعيد.
في اللحظة دي، كان كل الكلام متقال... من غير كلمة زيادة.
يبص فيها شوية، وبعدين يهمس:
عماد:
– "Ben döneceğim. (هارجع)."
تبتسم ابتسامة خفيفة جداً، وتهز راسها تاني، لكن دمعة تنزل على خدها وتلحق تمسحها بسرعة وهي تقول:
نازلي (بهمس):
– "Tamam… (ماشي…)"
يسيبها ويطلع من المكتب بهدوء... وهي تفضل واقفة مكانها، تبص في الفراغ، كأنها بتحاول تستوعب فراغه قبل ما يبتدي.
**************
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
** انتظروني البارت القادم **
تعليقات
إرسال تعليق