البارت الخامس عشر.. مش ممكن تكون بنتها
رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟!
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
***البارت الخامس عشر***
خرج عماد من المكتب، تاركًا وراءه محمد صامتًا مشحونًا. الباب يُغلق بخفّة، لكن ارتباك محمد كان كالصوت العالي في داخله… وقف في مكانه لثوانٍ، يحاول يستجمع أنفاسه، وكأن الأرض تهتز تحته.
فتح الباب بسرعة وراح لغرفة فارس.
مكتب فارس
محمد دخل وعلى وجهه ملامح مشوشة، عينه فيها قلق مش مفهوم، وصوته منخفض لكن متوتر:
محمد:
فارس…
فارس (وهو يرفع عينه وبيلاحظ تعابيره):
مالك؟ شكلك متغير!
محمد (جلس على الكرسي قدامه، وصوته فيه غصة):
عماد سألني… سألني سؤال أنا مش عارف أجاوبه.
فارس (بدأ يشعر بقلق حقيقي):
سأل على إيه؟
محمد (بتنهيدة طويلة):
قال لي… ليلى خلفت فرح إمتى؟
وسكت… بس عينه كانت فيها ألف علامة استفهام.
وفجأة لقيت نفسي مش عارف أرد. ما بين الحقيقة اللي مش بتاعتي، والسر اللي عمره ما كان مفروض يتفتح كده.
فارس (يُخفض صوته):
وقلته إيه؟
محمد (بمرارة):
ولا حاجة… وشّي كان بيتكلم أكتر مني.
أنا… أنا لازم أمشي من هنا، دلوقتي.
لازم أقعد مع ليلى.
إحنا اتأخرنا قوي… لازم نقرر هنعمل إيه.
فارس (بنظرة جدية):
محمد… ما ينفعش تسكت أكتر.
الموضوع ده لو ما اتفتحش منكم، هيتفتح من غيركم… وساعتها هيكسر فرح.
محمد (وهو بيقف بسرعة):
عشان كده… لازم نلحق نفسنا.
خرج محمد بخطوات سريعة، وملامحه ما بين القلق والعزيمة. وهو بيقعد لوحده، يغمض عينه ويهمس:
فارس:
ربنا يستر، يا صاحبي.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فيلا أبو زيد – صالون واسع، ظهر اليوم
دخل محمد الفيلا بخطوات سريعة، لكن عينيه كانت بتدور على شخص واحد بس… ليلى.
كانت قاعدة في الصالون، فنجان القهوة بين إيديها، ووجهها هادئ من الخارج، لكن عيونها دايمًا بتفكر.
محمد (بصوت حاسم لكنه مكسور شوية):
ليلى… ممكن أكلمك شوية؟
ليلى (بابتسامة خفيفة):
طبعًا يا محمد، خير؟
محمد (يقعد قدامها، عينه ماسابتش الأرض):
عماد النهاردة… سألني سؤال.
ليلى (تشد في نفسها، لكنها تحاول تبين الثبات):
سأل عن إيه؟
محمد (يرفع عينه فيها حزن وتوتر):
سألني… عن فرح ؟
قلتله آيه…
قال لي: ليلى خلفت إمتى؟
ليلى (يتغير لون وجهها، وتهتز يدها وهي تضع فنجان القهوة على الترابيزة بهدوء):
وقولت له ايه ؟
محمد:
ما عرفتش أرد.
أنا مكنتش مستعد… مكنتش جاهز إن السر ده يتفتح فجأة كده.
محمد (بتنهيدة تقيلة):
أنا مش قادر أكمل التمثيل ده على فرح.
وخصوصًا بعد ما دخلت حياتي بالشكل ده… بقت كل حياتي.
مش من حقها تعرف؟
مش من حقها تفهم مين هي فعلاً؟
ليلى بنفعال شديد وبطريقة عدوانية
بعد ما خبينا السر ده السنين دي كلها جاي دلوقتي وتقولي تمثيل!! وتكمل ليلى وهي تنهض : مش من حق اي حد ياخد قرار في الموضوع ده غيري وإن كان على عماد ف انا هتصرف معاه .
محمد (برقة):
عماد بيربط النقط يا ليلى.
وسؤاله النهاردة بيقول إنه قرب يعرف…
لو عرف من غيرنا، هيفهم غلط. وهيسيب وراه وجع كبير لفرح.
ليلى : انا هقابل عماد .
ينتهي المشهد على صمت تقيل، و إحساس إن لحظة الحقيقة قربت… قوي.
*******************
فيلا عماد ونازلي – المطبخ – نهار دافئ
الشمس كانت بتتسلل من بين ستائر المطبخ، تنور الملامح الهادية لوش نازلي وهي واقفة وسط الأطباق والتوابل، شغالة بكل حب على أكلة تركية مفضلة عند عماد.
كان واقف وراها، مسنود على الحيطة، يتفرج عليها في صمت.
كل حركة منها كانت بتشده أكتر، وكل ضحكة خفيفة وهي بتغلط في التوابل كانت كأنها بتزود نبض قلبه.
عماد (بابتسامة فيها حب):
– أنا مش عارف الأكلة دي هتطلع طعمها إيه… بس شكل الطبّاخة بيقول إنها هتبقى أكلة حب.
نازلي (تلف ليه بنظرة مشاغبة):
– وأنا بطبخلك من قلبي… يعني أكيد هتحبها حتى لو اتحرقت.
تضحك، وتيجي تمسح إيديها في الفوطة، بس قبل ما تعمل كده، تقرب منه، وتلف إيديها حوالين رقبته… رغم إن إيديها لسه فيها آثار عجين ودقيق.
عماد (يبص لها، صوته يوطي):
– إنتي عارفة إنك خطر عليّ؟
كل مرة تقربي كده، أنسى كل حاجة.
مايقدرش يقاوم قربها… يبوس جبينها الأول، وبعدين يبوسها بحنان بيجمع بين العشرة والشوق.
صمت لحظة… وبعدين:
صوت إشعار رسالة على موبايله يكسر اللحظة
عماد يبص للموبايل، يقرأ الرسالة بسرعة، وجسمه يشد لحظة.
نازلي (بنبرة قلقة):
في إيه؟
رسالة من الشغل؟
عماد (يحاول يخبي التوتر):
آه… في حاجة لازم أخلصها ضروري، بس بعد الغدا.
نازلي (بحزن خفيف):
كنت فاكراك النهاردة ليا…
عماد (يمسك إيديها):
وأنا ليكي دايمًا… بس الشغل كمان بينده.
أوعدك أعوضك بليلة طويلة نسيان لكل حاجة تانية.
،،،،،،،،،،
ينتقلوا على السفرة. نازلي بتقدم الأكل وهي لسه زعلانة شوية، لكن بتحاول تبين إنها تمام. عماد بياكل من الأكلة ويبص لها بنظرة مشبعة بالامتنان.
عماد (بصوت واطي):
عارفة… أنا عمري ما تخيلت أعيش حياة حلوة كده غير لما عرفتك .
كل حاجة انتي بتعمليها بتقربني من نفسي.
نازلي (تبص له، تحاول تكتم ابتسامة خجلها):
وإنت… أول راجل حسيت إنه بيحبني من غير شروط.
لحظة صمت حلوة.
يقوم عماد من على السفرة، يقبل راسها، ويقول:
عماد:
لازم أنزل دلوقتي.
نازلي (بابتسامة حزينة):
امشي… بس ارجع بسرعة.
*******************
حديقة الفيلا – مساء هادئ
كان الليل نازل برفق، نسيم خفيف بيعدي بين الأشجار، وكل حاجة ساكنة... إلا ملامح محمد.
قاعد على المقعد الخشبي في الجنينة، ووشه شايل ألف هم. ملامحه منهكة، وعينيه فيها شيء ما بين الصداع والتعب والوِحدة.
إيده بتتحرك ببطء فوق جبهته، كأنه بيحاول يسكت الألم اللي ساكن فيها من فترة.
من شباك غرفتها في الدور التاني، كانت فرح واقفة...
شافت محمد، وشافت الحزن اللي لابس روحه.
نزلت بسرعة، من غير ما تغير بيجامتها الوردية الناعمة. شعرها مربوط ربطه خفيفة، وخصل ناعمة نازلة على خدها، تمشي بخفة وقلق.
وصلت وراه، وقفت بصمت لحظة، وبعدين بصوت هادي:
فرح (بهمس):
سرحان في إيه يا محمد؟
التفت ليها ببطء. عينيه، رغم الإرهاق، لمعت أول ما شافها.
مد إيده ليها وقال بهدوء:
محمد:
تعالي جنبي...
قعدت جنبه، بصت له بتأمل، بإحساس غريب بالقلق والخوف عليه.
محمد (يحاول يرسم ابتسامة خفيفة):
هسرح في مين غيرك؟
انتي بقيتي كل اللي بشوفه قدامي، حتى في عز تعبي...
سكت لحظة، وبعدين قال وهو بيبص قدامه:
محمد:
كنت بفكر... لازم نحدد معاد لخطوبتنا.
نبتدي نجهز. مش فاضل على دخولك الجامعة غير أيام.
فرح (تبص له بقلق):
طب ما تقول الأول... فيكوا إيه؟
أنا حاسة إن في حاجة، وإنكم بقِيتوا بعيد عني فجأة.
محمد (ياخد نفس عميق، يحاول يخبّي):
مفيش يا حبيبتي... ضغط الشغل بس.
أوقات الواحد بيتشد من كل ناحية، وينسى نفسه، وينسى يقول للّي بيحبهم إنه تعبان.
سكتت فرح شوية، وبعدين قالت:
فرح (بصوت خافت):
طب خلاص... أنا هكلم ماما، وأقولها نعمل الخطوبة الجمعة الجاية.
قبل ما الدراسة تبدأ... ومش نلحق نعيش فرحتنا.
بص لها محمد، قرب منها شوية، لمس طرف شعرها بإيده، وشد خصلة كانت نازلة على خدها بهدوء.
محمد (بصوت واطي، دافي):
حاسس إنك جايالي من حلم...
ولو الحلم ده اتسرق مني، مش هيبقى فيه حياة بعدها.
قرب منها أكتر، وشال وجهها بإيده. عينيه كانوا بيقولوا كل حاجة هو مش قادر يقولها بصوت.
ضمها ليه بحنان، حضن دافي… حضن بيقول "أنا محتاجك".
فرح (بصوت متقطع):
أنا جنبك...
طول الوقت، جنبك.
كانوا قريبين... واللحظة كانت مليانة بكل المشاعر اللي متخزنة من سنين.
مفيش بينهمش غير نبضات قلوبهم… وهدوء الليل.
******************
شقة أحمد السوهاجي – مساء هادئ
الشقة فخمة، بإطلالة بانورامية على المدينة. إضاءة خافتة، وريحة بخور راقية بتملأ المكان.
في الركن المفضل عند أحمد، جلس على كنبة جلد فخمة، جنب بار صغير عليه كاسات فاضية وزجاجة عصير توت غامق.
كان قاعد، لكن ضهره مائل للأمام، كأنه شايل الدنيا كلها فوق كتافه.
أمامه جلس كابتن "ياسين"، شاب رياضي وسيم، ملامحه قوية وعينيه فيها جدعنة.
وهبة، مديرة أعمال أحمد، ست ذكية وجميلة، لابسة ببساطة، وقاعدة على الكرسي المقابل، ماسكة كوب العصير.
أحمد (بصوت واطي وعيونه زائغة في الأرض):
كنت فاكر نفسي أقوى من كده…
بس الحقيقة أنا أضعف ما يكون.
ياسين (ينفخ):
يا عم احمد، أنت راجل، وتعدي فوق أي حاجة.
أحمد (يهز راسه ببطء):
بحبها…
بحبها أوي.
يسكت لحظة، يرفع عينه ليهم، والنور بينعكس على دموع محبوسة فيها.
أحمد:
بقالي سنة… سنة وأنا عيني عليها،
بشوفها من بعيد،
بتابعها في كل حاجة،
بضحك لما تضحك،
ويتوجع قلبي لما أشوفها زعلانة.
هبة (بحزن):
بس ليه ما أخدتش خطوة بدري؟
أحمد (بهمس):
كنت خايف...
خايف تصدني...
خايف تقوللي: "أنا مش ليك".
يرجع ضهره على الكنبة، يرفع راسه للسقف:
أحمد:
أول ما أخدت خطوة… وقربت…
لقيتها بتحب محمد.
لا، مش بتحبه…
دي بتعشقه.
أنا بشوف ده في عنيها، في رعشتها لما بيكلمها، في ضحكتها لما تلمحه.
يسكت، دمعة تنزل من عينه بس من غير صوت.
أحمد (بمرارة):
نفسي كل الحب ده يبقى ليا...
نفسي تبصلي نظرة... بس نظرة فيها حب...
كنت مستني منها أي حاجة...
أي إحساس... أي اهتمام.
ياسين (ينظر له بشفقة، لكن بواقعية):
انساها يا أحمد…
فرح مش هتكون ليك.
بلاش تحرق نفسك.
أحمد (ينفعل فجأة، ويقوم واقف):
أنساها؟
فاكرينها لعبة؟
فاكريني زرار هدوس عليه وأقول خلصت؟
أنا بحبها يا ياسين!
يلتفت لهبة، صوته مكسور، ونظراته كلها ضعف:
أحمد (بهمس مشروخ):
بحبها يا هبة…
والله بحبها…
ومش هعرف أنساها.
يسكت لحظة، وبعدين بصوت ثابت، ونبرة فيها يقين:
أحمد:
في إحساس جوايا… بيقولي إنها مش هتكون لحد غيري.
وإحساسي عمره ما كذب عليّا.
يصمت الثلاثة.
اللحظة كانت ثقيلة… لكن صادقة جدًا.
*****************
في كافيه هادئ – مساء هادئ وصمت ثقيل
المكان أنيق، لا صوت يعلو فوق صوت أنفاس الزبائن الخفيفة وكؤوس القهوة حين تُوضع على الطاولات.
الضوء دافئ، والهواء مشبع برائحة القهوة والورق القديم.
عماد كان جالسًا وحده، على طاولة في ركن بعيد، يحدّق في ساعة يده بعصبية مختلطة بالانتظار.
يلتفت فجأة... ليلى تدخل.
بخطوات ثابتة، وكعبها يرسم موسيقى حادة فوق أرضية المكان، تتجه مباشرة إليه، دون أن تنظر حتى في عينيه، وتجلس أمامه.
ليلى (ببرود):
انت عايز إيه مني؟
عماد (نظرة طويلة، ثم بهدوء):
عايز أفهم.
إزاي... فرح بنتك؟
ليلى (بصلابة دون أن ترفّ لها عين):
وده شيء ما يخصكش.
عماد (ينحني للأمام قليلًا، وصوته يخرج مثقَل):
ليلى، أنا أكتر واحد من حقه يعرف.
ازاي يعني؟ انتي ناسية إنك كنتِ مراتي؟ ناسية اننا كنا…
ليلى (تقاطعه بنبرة حادة):
كنا… وانتهينا.
حياتي بعدك مش ملكك.
ولا انت ليك حق تسأل أنا خلفت إزاي، ولا بنتي تبقى بنت مين.
أنا سألتك عن اللي عملته بعد ما انفصلنا؟
دورت وراك؟
دخلت حياتك؟
يبقى ما تدخلش في حياتي.
عماد (يحاول يمسك نفسه، لكن نبرة الغضب بدأت تطل):
سنين، سنين وانتي بتستغفليني؟
ليلى (تتراجع للوراء وهي ترفع حاجبها بسخرية مريرة):
لو دي طريقتك في قراية الأمور… يبقى مشكلتك مش فيا.
وبالمرة… ملكش دعوة ببنتي، ولا تقرّب منها.
ولا حتى تسألها أي سؤال.
تمد يدها لتأخذ شنطتها وتنهض…
لكن عماد يمد يده بسرعة، يمسك يدها.
نظراتهم تتلاقى فجأة — قاسية، متوترة، دامعة في العمق وإن كانت ظاهريًا جامدة.
عماد (بصوت مكسور لكنه حاسم):
انتي…
انتي مش بتخلّفي.
ينزل الصمت كالسهم...
تتسمر ليلى في مكانها.
تجمدت يدها على الحقيبة.
وعيناها تتسعان للحظة، قبل أن تنخفضا… وتبقى واقفة.
***********
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
** انتظروني البارت القادم **
تعليقات
إرسال تعليق