البارت الثامن عشر .. فرح من تكون؟!
رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟!
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
*** البارت الثامن عشر***
صالون الفيلا
فرح واقفة في منتصف الصالون، الصورة بين إيديها، ملامحها فيها مزيج من الذهول والارتباك.
تلتفت فجأة ناحية "إلهام" اللي واقفة وراها، بتحاول تدارى ارتباكها.
فرح (بنبرة فيها قلق حقيقي، عينيها بتنطق)
طنط... دي صورتي، صح؟
(تلوح بالصورة قدامها)
بس ليه مكتوب عليها "ليلى"؟ دي مش صورة ماما؟!
إلهام تتجمد للحظة... تحاول تتكلم، بس الحروف تقف في زورها، ووشها يتبدل ما بين خوف وصدمة.
فرح (تصرخ شوي)
يا طنط ردي عليا إيه اللي بيحصل ... وايه الصورة دي ؟!
إلهام تحط إيدها على صدرها، تحس بدوخة، وتداري ارتباكها، تحاول تقعد، وعنيها تدمع.
الصمت يخيم، بس عيون فرح كلها رجاء وخوف.
،،،،،،،،،
مكتب محمد - جو ثقيل - ليلى قاعدة على كنبة المكتب، وشها باين عليه إنها بكت كتير، وصوتها متكسر، ومحمد واقف بعيد، تايه، وفارس واقف جنبها بيهدي فيها.
ليلى (بدموع ومهزوزة)
قالّي فرح بنته... قالّي إنها بنته ...
أنا مش عارفة أعمل إيه يا فارس... أنا... أنا...
فارس (بصوت حنين، بس حازم)
هدي نفسك يا ليلى، لازم نفكر بهدوء، مش كده...
محمد واقف في زاوية المكتب، مش قادر يرد، مش قادر يتحرك، ولا يستوعب اللي سمعه من ليلى ولا اللي حسه دلوقتي.
ليلى (تشهق فجأة)
هو قاللي... قاللي "انتي مش بتخلفي"، محمد... قاللي "فرح بنتي"، أنا... أنا ضايعة!
الصمت يقطعه صوت موبايل محمد اللي بيرن فجأة. محمد ينتفض من مكانه كأنه صحي من كابوس، يبص على الشاشة، يلاقي: "عماد بدر".
فارس (ينظر له بهدوء)
رد...
محمد يرد والتليفون بيترفع ببطء على ودنه، وكل عضلة في وشه مشدودة، وعقله مش في مكانه.
صوت عماد (حازم، غاضب، في نبرة انتقامية)
قول لعمتك... مواجهتنا منتهتش.
وبنتي؟ هخدها.
وهعرف أتصرف كويس أوي.
عماد يقفل السكة فجأة. محمد يفضل ماسك الموبايل، مش قادر ينزل إيده، وعينه فاضية...
قبل ما ينطق، الموبايل بيرن تاني. يرد وهو مرعوب، يشوف اسم المتصلة: "إلهام".
محمد (بصوت مجهد)
أيوه ...
إلهام (من الطرف التاني، صوتها مليان ارتباك وقلق)
الحقني يا محمد... مش لاقية ليلى، مش عارفة أوصل لها، وفرح لقيت صورة وهي صغيرة مكتوب عليها "ليلى"، والبنت بتسألني أسئلة أنا مش عارفة أرد عليها...
أنا تايهة يا محمد! أصل في حاجة حصلت وانت متعرفش عماد جه هنا ... وقبل أن تكمل يقاطعها محمد ... ويقول وهو مغيب تمام عارف ..عارف ويقطع الاتصال
محمد يغمض عينه للحظة، يضغط على راسه، كأن الألم كله طالع منه، ولسانه مش عارف يرد، بس كل حاجة جوه بتنهار.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مكتب محمد - بعد انتهاء مكالمة إلهام - ليلى ما زالت منهارة، ومحمد واقف، وشه مصدوم، لكن بدأ يهدأ شويّة، وياخد نفس عميق...
محمد (بصوت منخفض لكن حازم)
كفاية كده يا ليلى... لازم نلحق نفسنا قبل ما كل حاجة تنهار.
ليلى ترفع عينيها ليه، والدموع بتبل خدّها، تحاول تفهم قصده.
محمد (يقرب منها ويقعد جنبها على الكنبة، نبرته فيها رجاء وقلق في نفس الوقت)
بصّي، أنا عارف إن اللي حصل كان مفاجئ... وإنك كنتي فاكرة إنك بتعملي الصح، بس خلاص، الموضوع ما بقاش ينفع يفضل مخفي.
ليلى (بصوت مهزوز)
أنا كنت بحاول أحميها... والله كنت فاكرة إن كده أرحم ليها...
محمد (يحط إيده على إيدها بهدوء)
أنا عارف. بس دلوقتي مفيش وقت نندم.
قبل ما عماد يعمل أي خطوة طايشة... لازم نقعد معاه.
نقعد سوا، أنا وانتي وهو... ونتكلم. نفهم كل حاجة.
قبل ما يوصل لفرح ويقول لها حاجة... بطريقة ممكن تكسّرها.
ليلى (بتبص له بنظرة خوف)
تفتكر ممكن يروح لها؟!
محمد (ينظر بعيد شوية، ثم يرجع يبصلها)
عماد راجل مش سهل... ولو حس إنه اتخدع، مش هيسكت.
وأسوأ حاجة ممكن تحصل دلوقتي... إنه يروح لها يقول لها الحقيقة على طريقته.
ساعتها فرح هتبص لنا كلنا كأننا كنا بنكدب عليها.
وهتكرهنا يا ليلى.
هتكرهك... وهتبعد عني أنا كمان.
ليلى (تمسك إيده بقوة، وعينيها تدمع من تاني)
لا يا محمد... ما ينفعش ده يحصل.
محمد (ينظر لها بحسم)
يبقى نتصرف. دلوقتي.
نتصل بعماد... نحدّد معاد... نقعد ونتكلم، ونفهم منه هو عايز يعمل إيه.
ولما نعرف الصورة كاملة، نفكر سوا... نقول لفرح إمتى وإزاي...
بس إحنا اللي لازم نقول. مش هو.
فارس : أنا شايف كلام محمد هو الصح .. ده احسن حل .
محمد، وعينيه مليانة إصرار وقلق على فرح، وليلى جنبُه، بتحاول تلم شتات نفسها. الجو فيه توتر وترقّب...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
محمد يجلس في مقعده بهدوء، عيونه متصلبة، وفي يده هاتفه.
محمد (بصوت منخفض لكن حاسم وهو يتصل):
أيوه يا عماد... إحنا لازم نقعد ونتكلم، أنا وإنت وليلى. دلوقتي، قبل ما أي خطوة تتاخد.
عماد (من الطرف الآخر، نبرة صلبة لكن متماسكة):
تمام... هستناكم في فيلتي. دلوقتي.
محمد يغلق الهاتف، يلتفت إلى ليلى، التي تجلس على حافة الكنبة كأنها في عالم آخر، يهمس بهدوء:
يلا... هو مستنينا.
،،،،،،،،،،،،،،،
فيلا عماد بدر - بعد وقت قليل
يدخل محمد وليلى، وصمت ثقيل يسود كأن الجدران تسمع. عماد واقف في منتصف الغرفة، ملامحه حادة، متأهبة.
محمد (يبدأ الحديث، صوته هادئ لكنه يحمل انفعالًا داخليًا):
لازم نقولك كل حاجة... من البداية.
"فلاش باك "
صوت محمد يروي، :
"من سبعة عشر سنة، زلزال هز البلد كلها... الناس خرجت للشوارع، صرخات، مستشفيات مليانة، أرواح بتطلع، وقلوب بتنزف..."
"أنا وليلى كنا لسه خارجين من نكبات... أبويا اللي مات بين إيديا،بعد ما المرض دمرة ودمرنا، وهي اللي لسه بتقاوم خبر إنها مش هتقدر تخلف، وإنفصالها عنك اللي عمرها ما عرفت تتخطاه... روحنا المستشفى نساعد..."
"وفي ركن من الأركان... لقيناها. طفلة، عمرها ما كملش السنة، قاعدة على سرير، جسمها بيرتعش وعيونها بتدمع من غير صوت... كانت شبه الملاك..."
"سألنا عليها... قالوا إنها فقدت أمها في الزلزال... وملهاش حد."
"وقتها... ليلى، بعاطفتها المتكسّرة، قررت تاخدها... بس الغلطة الوحيدة إنها دفعت رشوة علشان تتسجل البنت إنها ماتت، ونكتبها باسم تاني... وسجلناها فرح."
"ربيناها... فهمناها إن أبوها سابنا وسافر، ومفيش أخبار عنه، لقينا حد يكتبها باسمه مقابل مبلغ بسيط... وعاشت معانا، ليلى أمها، وأنا كنت أبوها في كل حاجة..."
"كبرت... بقت بنتي، حبيبتي، خطيبتي... وهتبقى مراتي."
( باك)
عماد (بنظرة حادة وابتسامة مريرة):
وأنا المفروض أصدق ده؟ سبحان الله... من وسط كل البنات... ملقتوش غير بنتي اللي تتعلقوا بيها؟!
ليلى (بصوت منكسر):
والله ما كنت أعرف إنها بنتك، والله ما عرفت يا عماد...
عماد (ينفجر غاضبًا، عيونه بتلمع):
انتي كدابة! كنتي عايزة تنتقمي، تسرقي مني آخر حاجة فيها أمل... كنتي عارفة إني كنت بموت من غير بنتي، عارفة إني كنت رافض أتجوز تاني ورافض أعيش من غيرك، وإنتي... إنتي اللي جوزتيني السكرتيرة بتاعتي... وأول ما عرفتِي إنها حامل... طلبتِي الطلاق!"
(ليلى تدمع وتهتز ملامحها)
عماد (بصوت أكثر وجعًا):
وياما اتوسلتلك... إني أرجعلك، ما رضيتش!
قلتِلي: "خلاص، بقى عندك أسرة دلوقتي"...
طلقتها أيوة طلقتها وهي حامل عشان كنت لسة بفكر فيكي ومش قادر اظلمها معايا اكتر من كدة ... ورجعت بيتنا القديم، كنت قاعد في الشقة اللي كنا فيها سوا...
(ينخفض صوته وكأنه يغوص في الذكرى):
أول لما مسكت بنتي فـ إيدي... مسميتهاش غير "ليلى"... على اسمك.
كان قلبي شايفك رمز للتضحية... جالي شغل برة مصر وسافرت... ولما رجعت، كانت البنت راحت... اتقاللي إنها ماتت ف الزلزال. بس الحقيقة... الحقيقة كنتي انتي اللي خدتِها مني...
(ليلى تنهار باكية، تمسك يدها المرتعشة):
والله ما كنت أعرف! ما كنت أعرف إنها بنتك!
عمري ما كنت أأذيك بالشكل ده...
محمد (يتدخل، صوته حازم لكن مليان ألم):
كفاية!
إحنا دلوقتي في مصيبة أكبر من أي حاجة... البنت!
فرح!
إزاي هفهمها؟
نفسيتها أهم من أي حاجة.
فرح أرق مخلوق شُفته في حياتي، وأنا مش مستعد أخسرها بأي شكل.
إحنا محتاجين نفكر في مصلحتها... بهدوء.
(لحظة صمت، قبل ما تدخل نازلي، واقفة في الباب)
نازلي (بهدوء حاسم):
محمد عنده حق...
دلوقتي مش وقت لوم ولا عتاب...
مستقبل فرح هو الأهم.
لازم نختار كلماتنا، ونختار وقتنا... عشان ما نكسرهاش.
ويرد عماد :أنا مش هستنى كتير بنتي لازم ترجع لحضني تاني ..
،،،،،،،،،،،
الجو مشحون، السكون في الغرفة يسبق العاصفة، النظرات متوترة، وليلى تجلس في زاوية شاحبة، تحاول لملمة شتات نفسها... محمد جالس، وعماد في مواجهته، عماد يتحدث بثبات:
عماد (نظرة نار وصوت ثابت):
أنا مش هستنى كتير...
بنتي لازم ترجع لحضني... ترجعلي.
محمد (ينتفض واقفًا فجأة، عيونه مليانة وجع وغضب، صوته عالي لكنه مش مكسور):
أيوة... هتعرف إنك أبوها.
بس تطلع من البيت ده؟
مستحيل!
فرح مكانها الوحيد جنبي... في بيتي، في حضني، في قلبي...
أنا ربيتها، كبرتها، حفظت تفاصيلها...
فرح مش مجرد بنت... دي كل دنيتي.
عماد (خطوة لقدّام، بنظرة منافسة وتملك):
هي بنتي... من دمي ولحمي!
ومكانها الطبيعي والأول جنبي أنا...
فاهم يا محمد؟
أنا اللي انحرمت منها سنين، وأنا اللي ليا الحق دلوقتي أعيش اللي ضاع مني.
(الصوت يعلى والتوتر يزيد... لحظة ويدخل صوت حاسم ناعم، لكن واصل)
نازلي (وهي تدخل، ملامحها جادة، وصوتها واضح):
اهدوا...
مش كده، بالله عليكم!
أهم حاجة دلوقتي نفسية فرح...
متتعبش... متنضغطش.
تتقبل الموضوع الأول... وبعد كده هي اللي تختار.
(تلتفت ببطء لعماد)
ـ لو اختارت تقعد هنا... ده بيت أبوها، وهي حرة.
(وبنظرة لمحمد)
ولو اختارت تفضل مع محمد، ده هيكون جوزها...
براحتها، دي حياتها.
لكن اللي هتعرفه وتسمعه دلوقتي منكم... ممكن يكسرها.
فرح بنت رقيقة، قلبها أنعم من النسمة، وسنها صغير...
مش هتتحمّل شدّ وجذب وأصوات عالية من الناس اللي بتحبهم.
(نازلي تبص في عيونهم واحد واحد، وتهدي قليلًا)
محمد (نظرة فيها وجع وغضب دفين، صوته واطي لكنه حاد وفيه نبرة تحدّي قاطع):
أنا أقبل أي حاجة... أي حاجة في الدنيا،
غير إن فرح تطلع من بيتي،
تنام ليلة واحدة برا البيت...
أنا ممكن أروح فيها.
مش هقدر أتحمّل...
مش هقدر أنام وهي بعيد عني...
فرح مش مجرد بنت في حياتي...
هي حياتي أنا بتنفسها .. اختاروا اي حل غير إنها تطلع من بيتي ..إفهموني ....
***********
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
** انتظروني البارت القادم **
تعليقات
إرسال تعليق