البارت الثالث عشر .. عرض زواج
رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟!
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
*** البارت الثالث عشر***
الصباح في بيت محمد كان مختلف… دفء الشمس يتسلل من النوافذ الكبيرة، والجو مليان بروائح القهوة والهدوء.
في الصالة، كان محمد جالس على الأريكة الواسعة، وفي حضنه فرح، رأسها مستندة على كتفه، وذراعه يحيط بها كعادته، كأنها وطنه الصغير اللي بيرتاح فيه.
إلهام كانت على الكرسي الجانبي تمسك فنجان قهوتها، تقلبه بهدوء، وعيناها تتنقل بين محمد وفرح بابتسامة خفيفة.
ليلى كانت مقابلة لهم، تتابع حديثهم بعين أم وصديقة، لكن في بريق غامض بيظهر وبيختفي في نظراتها.
محمد، وهو بيكسر هدوء اللحظة بصوته الواثق:
"أنا عندي خبر مهم حبيت أبلّغكم بيه من بدري..."
يسكت لحظة وهو يبص لفرح، كأن نظرتها بتقويه… ثم يكمل:
"بعد يومين، هيكون في حفلة بسيطة، زي افتتاح كده، بمناسبة توقيع عقود الشراكة الجديدة."
محمد، وهو بيبتسم بحماس حقيقي:
"هتكون في جنينة الفيلا هنا ، وهيكون فيه إعلان رسمي عن الشريك التركي الجديد… ودي هتكون انطلاقة فعلية للمشروع اللي بحلم بيه من سنين."
فرح، بحماس طفولي وهي ترفع رأسها له:
"يعني خلاص؟ المشروع هيبدأ بجد؟"
محمد، وهو يطبطب على إيدها:
"هيبدأ… وإنتي أكتر واحدة عارفة قيمته بالنسبالي."
ليلى كانت بتسمع وتهزّ راسها، لكن توتر خفيف مرّ في ملامحها، ما لم يخفى على محمد.
وينظر لفرح ويقولها فرح ممكن تجبيلي كوبايه ماية..
فرح وهي تقف حاضر ...
بعد مغادرة فرح
محمد، وهو يلتفت لليلى، بنبرة خفيفة لكنها صادقة:
"عارف يا لولا إن الموضوع مش سهل عليكي… بس أنا بلغتكوا علشان تجهزوا نفسكم، فارس بلغ كل الشركاء، والصحافيين كمان، وكل شيء جاهز."
ليلى، وهي تحاول تخفي ارتباكها بابتسامة خفيفة:
"أكيد هنكون موجودين… دي خطوة كبيرة يا محمد، وأنا فخورة بيك، أياً كانت الظروف."
إلهام، بتزقها بلطف من كتفها وتقول مازحة:
ليلى طول عمرها ست قوية
ابتسموا كلهم، حتى ليلى ابتسمت رغماً عنها، لكن عينها سرحت للحظة… كأن عقلها سبقها ليوم الحفل، لمشهد مازال غامض، لكنه بيقرّب.
تأتى فرح ومعها كوب ماء .. ويأخذه محمد ويشربة ويشكرها .... وتقترب منه
فرح وهي بتهمس لمحمد:
"هلبس فستان جديد، بس بشرط… تبص لي أول واحدة قبل ما تشوف أي حد."
محمد، وهو يرد عليها بهمس أقرب للعِشق:
"أنا عمري ما شفت حد غيرك."
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فيلا عماد – شرفة مطلة على حديقة صغيرة، الساعة التاسعة صباحًا
كان صباحًا ناعمًا يحمل نسمات خفيفة من هواء القاهرة الدافئ. جلس عماد ونازلي على طاولة إفطار أنيقة في الشرفة، المائدة مزينة بورود بيضاء وكوبين من القهوة التركية وخبز طازج وجبنة وعسل.
عماد، وهو يسكب لها القهوة بابتسامة خفيفة:
"لسه مش مصدق إنك فعلاً هنا... من كام يوم كنت فاكر مكالمتنا الأخيرة هتاخدك لشهر شغل "
نازلي، وهي تمسح زاوية فمها برقي وتمسك فنجانها:
"بس قلبي كان بيقول حاجة تانية... معرفتش أقاوم الإحساس، وكمان... حبيت أشوف بعيني الحلم اللي بنبنيه بيكبر."
ابتسم عماد ابتسامة دافئة، ثم نظر نحو هاتفه الموضوع على الطاولة حين رنّ برنين هادئ.
عماد وهو يردّ:
"عماد بدر ... أهلاً يا كريم، صباح الخير."
صوت كريم من مكتب محمد (بصوت رسمي ومهذب):
"صباح الخير يا فندم، الأستاذ محمد بيبلغ حضرتك إن الحفلة الخاصة بتوقيع العقود الرسمية للشراكة هتكون بعد يومين، الساعة ٨ بالليل في فيلا أبو زيد الدعوات هتتبعت النهاردة، وبنجهز كل الترتيبات الخاصة بالإعلام."
عماد وهو يومئ برأسه وكأن المتصل يراه:
"تمام.. بلغ محمد إننا هنكون موجودين. وشكرًا على الاتصال يا كريم."
يغلق الهاتف ويضعه بهدوء ثم يلتفت إلى نازلي.
عماد:
"بعد يومين... الحفلة الرسمية، انطلاقة جديدة فعلًا."
نازلي بابتسامة خفيفة وهي تُكمل قطعة صغيرة من الخبز:
"يعني لازم أختار فستان يليق بالمناسبة."
عماد، ينظر لها نظرة طويلة فيها امتنان وسكينة:
"أي حاجة تلبسيها تليق بيكي... وبالمكان كله."
نازلي، وهي تميل برأسها بخفة وفي عينيها لمعة هدوء:
"وأنا اللي كنت فاكرة إنك نسيت إزاي تغازل."
ضحك عماد بخفة، ثم عاد يرتشف من قهوته، والصمت بينهما صار دافئًا… يحمل أكثر من كل الكلمات.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فرح – الساعة 5:30 مساءً
الغرفة يغمرها ضوء دافئ من شمس ما قبل الغروب.
فرح تقف أمام مرآتها، ترتدي فستانًا من الستان اللامع بلون أخضر زمردي، بأكمام طويلة وتفاصيل بسيطة عند الخصر.
شعرها مفرود برقة على كتفيها، تتلمس سوارًا ناعمًا على معصمها، ثم تبتسم في المرآة وهي ترتب أنفاسها.
علبة عطرها المفضلة تُفتح، ترش منه لمسة خفيفة خلف أذنيها… استعدادًا لليلة مختلفة.
محمد – الساعة 5:45 مساءً
يقف أمام خزانته، يختار بدقة بدلة رسمية بلون أزرق داكن، وقميص أبيض نظيف.
يربط ربطة عنق بلون نبيذي بتأنٍ، ويثبت زرّ أكمامه الذهبي البسيط.
ينظر لنفسه في المرآة لحظة طويلة، يمرر يده على شعره ويهمس لنفسه:
"النهاردة مش بس توقيع عقد... دي بداية حقيقية."
يضع ساعة أنيقة في معصمه الأيسر… ثم يخرج.
ليلى – الساعة 6:00 مساءً
تقف أمام منضدة الزينة، ترتدي فستانًا أنيقًا بلون رمادي لؤلؤي، يليق برقيها وخجلها الدفين.
شعرها مرفوع لأعلى بشكل بسيط، تضع أقراطًا من الياقوت الرمادي.
تنظر لنفسها في المرآة، تتنهد، ثم تهمس:
"ربنا يستر الليلة دي."
تلتقط حقيبتها الصغيرة وتخرج بخطى ثابتة... لكن قلبها ثقيل.
إلهام – الساعة 6:10 مساءً
ترتدي فستانًا بنفسجي داكن من المخمل الفاخر، وشالًا من الحرير الأسود على كتفيها.
تمسك بفرشاة شعرها تمررها بلطف، وعطر شرقي كلاسيكي يملأ الغرفة.
تنظر لمرآتها بفخر وسكينة… ثم تمشي خارجة من الغرفة، ووراءها تاريخ طويل من الصبر والقوة.
عماد – الساعة 6:15 مساءً
يقف في غرفته، يرتدي بدلة بلون الفحم الغامق، قميص بلون رملي فاتح، وساعة كلاسيكية في معصمه.
يفتح درجًا صغيرًا ويأخذ منه قلماً خاصًا… ربما ليوقّع به، وربما يحمل معه رمزية أخرى.
ينظر من النافذة للحظة، ثم يغلقها، وكأنّه يغلق بابًا على ذكريات كثيرة.
نازلي – الساعة 6:30 مساءً
الغرفة تغمرها أنوار ناعمة تعكس على المرايا الكبيرة وأناقتها الفطرية تسبقها حتى قبل أن تكتمل في المرآة.
تقف نازلي أمام خزانتها المفتوحة، تختار فستانًا من الحرير الأسود الداكن، بتصميم تركي أنيق، مكشوف الكتفين، ينسدل بنعومة على جسدها ويُبرز تقاطيعها الأنثوية بأناقة راقية.
فتحة بسيطة عند الساق تمنح خطواتها حرية وجرأة محسوبة، لا ابتذال فيها… بل ثقة كاملة بنفسها.
شعرها الطويل يُترك منسدلًا على ظهرها في تموجات ناعمة، وكأنّه مرسوم بعناية.
تضع أقراطًا من الألماس التركي، وتختار عقدًا بسيطًا يلامس رقبتها برقة، وتضع لمسة خفيفة من عطرها الفاخر برائحة التوت والزهور البيضاء.
تنظر لنفسها نظرة سريعة في المرآة… تبتسم لنفسها وكأنها تقول:
"الليلة... أنا مش مجرد شريكة، أنا الصورة اللي مستحيل تتنسي."
تمسك حقيبة مخملية سوداء صغيرة، وتغادر الغرفة بخطوات ناعمة لكن ثابتة.
فارس – الساعة 6:45 مساءً
داخل مكتبه، يغلق اللابتوب، ويرتدي جاكيته بلون كحلي،
ينظر في المرآة، يصفف شعره بإيده، ثم يخرج بخفة كالعادة.
أحمد السوهاجي – الساعة 6:50 مساءً
يرتدي بدلة من اللون الزيتي الغامق، يمسك هاتفه ويتفقد الدعوة مجددًا…
يعيد ترتيب أزرار سترته، وينظر لنفسه نظرة فيها شيء من التوتر، ويغادر شقته.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صفوف السيارات الفاخرة بدأت تصطف أمام مدخل الفيلا.
يتوافد الضيوف تباعًا بخطوات واثقة، أضواء الكاميرات تومض، والصحفيون يلتقطون اللحظة كأنها حدث يُدوّن في كتب النجاح.
في الداخل
محمد يقف بجوار فرح عند المدخل، بجوارهما ليلى وإلهام، وفارس لا يفارقه، كظله الأوفى.
محمد يرحّب بالمدعوين بابتسامته الواثقة، بينما فرح تقف بجانبه تشعّ بالهدوء والثقة، وكأنها جزء من هذا المكان منذ الأزل.
لحظة دخول عماد ونازلي.
عماد يمشي بخطوات ثابتة، يعلو وجهه هدوء يليق برجل خَبِير بالحياة، ويميل أحيانًا ليهمس بشيء ما لنازلي، التي تتألق بحضورها المتماسك وابتسامتها المتزنة، خطواتها مريحة للنظر، نظراتها ذكية، لا تنكسر ولا تتعالى.
ليلى تراهم.
نظرة واحدة كانت كافية لتغيّر ملامحها.
توترها لم يخفَ على إلهام، التي أمسكت يدها بلطف، وكأنها تقول دون كلام: "أنا معاكي."
عماد ونازلي يتقدمان نحو محمد وفارس وأحمد السوهاجي.
عماد يمد يده بابتسامة هادئة ويقول:
"مبروك علينا الشراكة يا محمد… بداية جديدة لمشروع كبير."
نازلي تومئ برأسها بابتسامة واثقة.
أحمد يبتسم، بينما محمد يرد بثقة:
"المكان اتشرف بوجودكم… الحلم بيبدأ النهاردة."
فرح تقف مع ليلى وإلهام، تنظر إلى محمد من بعيد، نظراتها دافئة…
محمد يصعد المنصة، يبدأ كلمته الرسمية بصوت يحمل ثبات القائد وشغف الحالم:
"السيدات والسادة…
إحنا النهاردة بنشهد لحظة فارقة في مشروع بدأ بحلم، وتحول لشراكة حقيقية بين عقول وآمال بتؤمن بالنجاح.
يسرني أعلن عن شراكة قوية بين شركتنا ومؤسسة عماد بدر، وشركتنا الجديدة مع السيدة نازلي يلماز،
ومعانا شريكنا التنفيذي اللي بنفتخر بيه دايمًا، المهندس أحمد السوهاجي – شركة السوهاجي.
وبشكر فارس، الصديق قبل ما يكون شريك… دراعي اليمين في كل خطوة."
تصفيق من القاعة، وعيون كثيرة على محمد – بعضها يُعجب، وبعضها يغار.
محمد ينزل من على المنصة ويتجه نحو فرح، يهمس لها بابتسامة:
"شكلك حلو قوي النهاردة… خلاني مش مركز في الحفله كلها."
تبتسم بخجل، لكنه يلتفت سريعًا حين يقترب منه فارس:
"أشرف بيه عايز يباركلك."
"تمام، استأذن دقيقة."
محمد يمشي برفقة فارس.
فرح تبقى وحدها للحظة، ثم يتوقف الوقت لثانية.
صوت هادئ يقطع اللحظة:
"على فكرة… شكلك حلو قوي النهاردة."
أحمد السوهاجي يظهر بابتسامته المعتادة وكوب عصير تفاح في يده، يمده لفرح.
ترد وهي تحاول التحكم في خجلها:
"ده من ذوقك."
يقترب خطوة صغيرة:
"العصير ده مخصوص ليكي."
لكن يد أخرى تصل أولًا… يد محمد.
يأخذ الكوب، يبتسم ببرود:
"هشربه أنا. فرح ما بتحبش عصير التفاح."
أحمد يتراجع بخفة:
"عن إذنكم…"
محمد يهمس لفرح وهو يضع يده في يدها:
"سئيل أوي الأخ ده."
تبتسم، ويمشون معًا، يمرون بين المدعوين، محمد يعرفها على بعضهم، وهي ترد بود هادئ.
في جانب آخر
عماد ونازلي واقفان يتبادلان نظرات خفيفة وحديث لا يسمعه سواهما.
يضحكان تارة، ويتأملان الحفل تارة أخرى.
ليلى تراقب المشهد من بعيد… لا أحد يشعر أنها ما زالت تحت تأثير حضورهم.
لحظة صغيرة – فرح تتحرك وتخبط خبطة خفيفة في عماد أثناء مرورها.
ينظر لها لحظة… عينه تُحدق فيها دون سبب، وكأنه يبحث عن شيء لا يعرفه.
هي تنظر بخجل، تقول بسرعة:
"أسفة."
يرد وهو ما زال يحدق بها:
"لا… أنا اللي آسف."
ثم يشيح بوجهه سريعًا كمن فاق من حلم.
نازلي تقطع اللحظة:
"هاروح أجيب حاجة أشربها، تحب أجيبلك معايا؟"
"لا، خليكي… أجيب أنا."
"لا، أنا اللي رايحة."
تتحرك نازلي بخفة نحو البار، لكنها تتعثر فجأة، قدمها تلتوي، وتصرخ صرخة خفيفة.
الجميع يلتفت.
عماد يجري عليها، قلبه يسبقه.
ينحني، يحتضنها، وجهه كله قلق:
"نازلي! فيكي ايه!"
"وقعة خفيفة بس، متخفش."
"لأ… لازم أطمن عليكي."
محمد يقترب:
"لو تحبي، تريحي جوه الفيلا."
عماد يومئ بسرعة، يحملها دون تفكير، يمضي بها وسط أنظار الجميع، خاصة… عيني ليلى.
إلهام تهمس:
"يلا ندخل نشوفهم، عيب… في بيتنا."
ليلى ترد بتردد:
"مش عايزة "
"بس مش هينفع نسيبهم عيب في حقنا .. يلا"
يدخلوا.
داخل الفيلا
عماد يضع نازلي برفق على الكنبة، يتصل محمد بطبيبه، والدكتور يصل بعد الحفل.
يفحص قدمها ويؤكد: "مجرد التواء خفيف، محتاج بس راحة كام يوم وكريم للالتواء من الصيدلية"
الدكتور ينصرف.
عماد يلتفت إليهم:
"شكرًا إنكم دخلتوا… ما كنتش هعرف أتصرف لوحدي."
ليلى ترد بهدوء:
"المهم إنها بخير."
إلهام تبتسم بتلقائية، ونازلي تشكرهم.
عماد يقرر المغادرة مع نازلي.
الجميع يودعهم بلطف.
ليلى لا تنطق، تنظر فقط… ثم تصعد لغرفتها بهدوء.
غرفة فرح كانت مظلمة من قبل نهاية الحفل، لأنها استأذنت محمد وقالت:
"حاسّة بصداع شوية… هطلع أرتاح."
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الطابق العلوي – غرفة فرح
محمد يفتح باب الغرفة بهدوء، يدخل على أطراف أصابعه.
نور الأباجورة الخافت يُلقي ظلًا دافئًا على ملامح فرح وهي نائمة.
يتأملها بصمت، عيناه تلمعان بمزيج من الحب والامتنان والدهشة…
ينحني برفق، يُقبّل جبينها قبلة صادقة، ثم يهمس:
"بحبك… أوي."
يخرج دون صوت، يُغلق الباب خلفه ببطء.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فيلا عماد – الطابق العلوي – بعد انتهاء الحفل بعدة ساعات
الهدوء يُخيّم على المكان.
في الطابق العلوي، أمام غرفة نازلي، وقف عماد بثيابه الرسمية وقد فكّ أزرار سترته، يحمل علبة صغيرة في يده.
طرق الباب بخفة.
نازلي (من الداخل، بصوت هادئ):
"اتفضل، الباب مفتوح."
دفع الباب ودخل. وجدها جالسة على طرف السرير، ترتدي قميصًا قطنيًا بسيطًا، شعرها مربوط بإهمال تعب السفر.
عماد (بابتسامة خفيفة):
"جبتلك كريم موضعي من الصيدلية… هيخفف الالتهاب . ويسكن الالم.
أنا كلمت دكتور صيدلي بنفسه واختار النوع المناسب."
نازلي (تأخذ العلبة برفق):
"مرسي، دايمًا بتفكر في كل التفاصيل."
جلس عماد بهدوء على مقعد صغير بجانبها، ثم مد يده بهدوء:
"اسمحيلي أساعدك… دي أقل حاجة."
نازلي تتردد لحظة، ثم توافق بصمت.
بدأ يدهن الكريم على قدمها بحرص، وحركات محسوبة، صمتهما كان أبلغ من أي كلمات.
ثم قطع عماد السكون، بنبرة هادئة مهنية في ظاهرها، لكنها تحمل خلفها شيئًا أعمق:
"لما شُفت ليلى لأول مرة من سنين."
سكت لحظة، يركز في حركة يده، ثم رفع عينيه ببطء:
"بس المدهش…
إن أول ما شُفتها…
ما حسّيتش بأي حاجة."
نازلي ترفع عينيها نحوه، متفاجئة، تستجمع رد فعلها.
عماد (ينظر مباشرة في عينيها):
"ولا شوق … ولا حتى ألم.
اللي بيني وبين ليلى كان كبير… لكن خلّص.
خلّص فعليًا من غير ما آخد بالي."
الصمت يمتدّ لحظة. ثم يكمل بنبرة أكثر رقة:
"اللي حسّيته وأنا واقف جنبك النهاردة…
واللي شُفته في عيون الناس وإنتي داخلة…
كل ده خلاني أفهم أنا كنت فين، وبقيت فين."
نازلي (بصوت خافت):
"عماد… إنت بتقول إيه؟"
عماد (بصدق، وهو يضع العلبة جانبًا، ويقترب قليلًا):
"أنا… كنت بصدّك طول الوقت بحجة إني لسه مش فاضي من جوّا…
بحجة إنك مجرد صديقة وشريكة ومصدر أمان…
بس الحقيقة؟
أنا بحبك يا نازلي.
بحبك حب نضيف… ناضج… ماكانش لاقي اسمه جوّا قلبي."
نازلي تتنفس ببطء، وجهها لا يخلو من الدهشة، لكن عيونها تلمع بنظرة لمعة جديدة تمامًا.
عماد (يتنهد):
"عارفة إيه الغريب؟
إني مش قادر أعدّي حتة فرق السن…
أنا شُفتك لأول مرة وكان عندك عشر سنين، طفلة، ودلوقتي…
كبرتي قدامي. قدام عيني، وكل يوم كنتي بتكبري في قلبي من غير ما آخد بالي."
يسكت، يبعد بنظره، كأنه خائف من وقع الكلام عليه قبل أي أحد.
نازلي (بصوت هادئ، فيه ارتباك وصدق):
"بس أنا مش طفلة دلوقتي يا عماد…
وإنت مش محتاج تبرر اللي بتحسه… لأنك مش لوحدك بتحس."
نظراتهم تتقاطع، لا يقال شيء بعدها.
كأن كل الكلمات أصبحت زائدة.
عماد (بابتسامة صغيرة مكسورة):
"أنا مش عايزك تقولي حاجة دلوقتي.
كفاية إنك هنا… "
لحظة صمت بينهما... مكسوّة بالشجن، مليئة بما لا يُقال.
نازلي بصوت دافئ، لكنه يرتجف من كمّ الصدق:
"احنا مش بنعمل حاجة غلط... أنا بحبك، ومش بنكر ده.
فارق السن؟
عمري ما حسيت بيه، ولا شُفته، لأنك دايمًا كنت جنبي، كنت سندي قبل ما تكون راجل في حياتي.
أنا اليوم اللي بيعدي من غير ما أشوفك... مش بعيشه، بس بموت فيه ببطء."
تحبس نفسها لحظة، تغمض عينيها، ثم تفتحهما لتحدّق في عينيه مباشرة، بنظرة امرأة لم تعد تخشى شيئًا:
"أنا مقدرتش أقعد في إسطنبول من غيرك يومين، انت كل العالم بتاعي، يا عماد.
استنيت... استنيت سنين عشان أسمع منك كلمة حب، عشان أشوف في عينيك غير الحنية... أشوف الراجل اللي عمره ما شافني غير بنت صغيرة، يكسر الحاجز اللي بينا أخيرًا.
ولما ده حصل... أنت بتبني حاجز جديد!
عماد... انت الراجل الوحيد اللي عيني بتشوفه، اللي قلبي دقله ومبيعرفش يدق لغيره."
تتنهّد، تمسك بيده بلطف، وتقولها — بكل ما فيها من صدق وجرأة ودفء:
"تتجوزني؟"
لحظة صمت تانية...
داخله انفجر... قلبه بيرتجف، بيحاول يصدق إنها قالتها
فتح عينه... وقالها بصوت خافت، لكن جواه كان عاصفة:
"آه، يا نازلي...
أتجوزك؟
يحضنها. حضن طويل. مفيهوش تسرّع. مفيهوش رغبة. فيه أمان.
حضن راجل لقى اللي كان بيدوّر عليه من سنين...
وحضن ست لقت الراجل اللي تستاهله...
*************
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
** انتظروني البارت القادم **
تعليقات
إرسال تعليق