البارت الحادي .. عهد جديد
رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟!
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
**** البارت الحادي عشر *****
( ضوء الشمس بيتسلل من ستارة غرفة محمد، وهو بيصحى من النوم وبيبص للسقف بابتسامة هادئة، كأنه أخيرًا وصل لقرار طال انتظاره.)
محمد (وهو بيشد الموبايل ويتصل بفارس):
صباح الفل يا فارس، شيل مكاني النهاردة...
النهاردة يوم مصيري... يا رب بس ترضى تصالحني.
فارس (بنبرة مرحة وهو بيتثاوب):
انت من ساعة ما رجعت من شرم وأنا مشفتش وشك في الشركة!
آه، بالمناسبة... الشريكه التركيه اللي لسه مش عارفينها هي مين، وصلت... مكتبها في إسطنبول بلغنا، وبيأكدوا على معاد الاجتماع.
وصحيح، ضروري طنط ليلى تبقى موجودة، عشان توقيع العقود.
محمد (بهدوء):
تمام، هبلّغها... وشكرًا يا صاحبي.
(يبدأ محمد يلبس - بنطلون جينز أزرق داكن، قميص أبيض بأكمام مرفوعة، ساعة جلد أنيقة، وكوتشي أبيض. يبص في المراية، يظبط شعره، وياخد نفس عميق قبل ما يخرج.)
---
أمام غرفة فرح
(يقف محمد قدام الباب، يطرقه بخفة.)
محمد:
فرح؟ أنا هدخل...
(مافيش رد)
أنا داخل أهو...
(يفتح الباب بحذر... الغرفة هادئة، بعد لحظات، تخرج فرح من الحمام وهي لابسة برنس أبيض قصير، شعرها بينقط ميّه، شكلها طبيعي وبسيط بس مليان أنوثة.)
(يتجمد محمد في مكانه، يبص لها بنظرة حب واندهاش، وهي تتفاجأ بوجوده.)
فرح (بتوتر وهي بتحاول تبان طبيعية):
انت هنا ليه؟
(تتجه ناحية المراية بسرعة)
(يقرب منها بخطوات بطيئة، يقف وراها، يشم ريحة شعرها، يمسك خصلة بحنية ويقرب من أذنها.)
محمد (بصوت ناعم جداً):
طول عمري بعشق ريحة شعرك...
أنا آسف... أنا كنت جبان، وخفت عليكي حتى مني...
(يلفها بخفة لتواجهه، عينيه في عينيها.)
محمد:
عايز أطلب منك طلب ومترفضيش...
اخرجي معايا النهاردة... بعد الفطار... نكون لوحدنا، من غير ما حد يقاطعنا... نتكلم براحتنا.
فرح (بصوت منخفض وهي تحت تأثير اللحظة):
موافقة...
بس بشرط... أنا اللي أختار المكان.
محمد (يبتسم):
أنا موافق... كمّلي لبسك، هستناكي تحت.
(بيمشي، وبعد كام خطوة يرجع ويهمس):
حلوة أوي وانتي خارجة من الحمام...
(يمشي وهي تضحك بخجل وترتبك، وتبدأ تجهز نفسها.)
-
على السفرة في الفيلا
(إلهام وليلى قاعدين بيحضّروا الفطار، يلاحظوا لبس محمد.)
إلهام:
إيه الشياكة دي؟ مش رايح الشغل ولا إيه؟
محمد (بابتسامة):
لغيت كل حاجة... النهاردة هخرج أنا وفرح.
وينظر لليلى نظرة ذات معنى .. ويهمس لها قررت أخد بنصحتك إدعيلي ..
تنظر له ليلى بفرحة وتربط على كتفة بمؤازرة ....
(تنزل فرح بالفستان الأبيض المُزين بالورود، كوتشي أبيض، شنطة بينك، شعرها سايب ونضارة فوق راسها.)
فرح (بمرح):
صباح الخير!
ليلى:
صباح الفل، القمر جه!
(يتناولوا الفطار وسط أجواء هادئة ولطيفة.)
محمد (وهو بيبص لليلى):
على فكرة... بعد بكرة عندنا اجتماع مع شريك المشروع الجديد، لازم تحضري.
ليلى:
ابعتلي العقود أوقعها.
محمد:
لا يا لولا... الاجتماع ده مهم أوي، ولازم تكوني موجودة.
ليلى:
ماشي يا محمد، حاضر.
---
في العربية
محمد (وهو بيشغّل العربية):
طيب، دلوقتي قوليلي... انتي عايزة تروحي فين؟
فرح (بعد تنهيدة خفيفة):
أولاً... نفسي آكل آيس كريم زي زمان.
محمد (يضحك):
يا تافهة... ماشي، وأي كمان؟
فرح:
نتمشى على النيل شوية...
محمد:
انتي تؤمري...
بس بعدين، هوديكي مكان بقالنا كتير مش بنروحه...
فرح (بفضول):
فين؟
محمد (بابتسامة غامضة وهو بيبص ليها):
استني وهتشوفي... يلا بينا يا ست البنات.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
في السيارة، بعد لحظات من الصمت الهادئ...
قال محمد وهو ينظر أمامه، لكن صوته كان موجهًا إليها تمامًا:
- كنت طول الطريق بفكر أبدأ منين... بس الحقيقة إن مفيش نقطة بداية واضحة. في حاجات جوايا بقالها سنين، مكبوتة، مكتومة، ومع كل سنة كنتي بتكبري فيها... كنت بحاول أكون عاقل.
التفتت إليه فرح ببطء، في عينيها خليط من القلق والترقب، لكنها لم تقاطعه.
- أنا آسف يا فرح. آسف إني كنت بجري منك، وإني لما قربتي... صدّيتك. آسف على إني خليتك تحسي إنك مش مفهومة أو إن مشاعرك غلط.
تنهد، وأكمل بنبرة أكثر هدوءًا:
- أنا كنت خايف. خايف أكون بأذيكي من غير ما أقصد. كنت شايف إن فرق السن بينّا هايبقى عبء عليكي. كنت بفكر بعقلي، وقلبي كل يوم كان بيغلبني أكتر... وكنت برضه باهرب.
قالت فرح بصوت ناعم:
- وكنت بتهرب مني أنا...
هز رأسه، والتفت لها، ينظر مباشرة في عينيها لأول مرة:
- آه، كنت بهرب منك، ومن حبي ليكي... ومن ضعفي قدّامك. أنا مش هشوف في حياتي بنت زيك يا فرح. مش بس عشان أنا عارفك من وانتي صغيرة، لأ، عشان انتي روحي... وأنا كبرت وعرفت يعني اي حب وانتي في حضني.
ساد الصمت للحظة، ثم قال بنبرة أهدأ، أكثر دفئًا:
- فاكرة أول مرة غنينا فيها أغنية "أنساك"؟ وقتها كنت بحاول أخبي إنك بقيتي كل حاجة ليا... بحاول أضحك على نفسي. وكنت بقول "لما تكبر، هتفهمي". دلوقتي، انتي كبرتي... وأنا بقيت أكتر واحد محتاج يفهم نفسه.
نظرت إليه فرح بعينين دامعتين، وهمست:
- وأنا كنت شايفة كل ده... ومستنياك تفهم.
ابتسم بخفة، وكأن حِملًا هائلًا قد زال:
- أنا فهمت، وعرفت إني مش قادر أعيش من غيرك. وإنك مش طفلة ولا ضل من الماضي... انتي مستقبلي اللي كان مستنيني.
مدّ إيدة نحوها برفق، دون استعجال، وقال بصوت دافئ صادق:
- لو لسه في مكان ليا جنبك... أنا مش ناوي أهرب تاني.
أنا جيت أقولك إن قلبي ليكي، وكل خوفي عليكي، وكل العمر اللي جاي أنا عايزه يبقى معاكي.
****
على النيل. الهوا ناعم، وفيه نسمة شبه الهمس، بتعدي على الوجوه وتصحّي القلب بهدوء.
محمد كان ماشي جنب فرح، وفي إيده علبة آيس كريم بالتوت، فتحها، وقرّب المعلقة من بؤها وهو بيبتسم:
- ولسه بتحبي التوت زي زمان؟
ضحكت وهي تاخد المعلقة وتردّ بدلع طفولي:
- التوت عمره ما خذلني... حتى لما كنت بتزعلني، الآيس كريم بالتوت كان بيصالحني عنك.
ابتسم، وبصّ للنيل قدامه، وعيونه فيها حنين قديم... وبعدين قال:
- فاكرة لما كنا بنتمشى هنا وانتي صغيرة؟ وكنتي بتسأليني: "إنت هتتجوزني لما أكبر؟"
ضحكت بخجل:
- كنت صغيرة... بس قلبي مكنش صغير. كان بيعرف يحبك.
سكت، وكأن الزمن وقف لحظة، وبعدين صوته رجع بنبرة مغموسة بالشوق:
- وأنا... من ساعة ما دخلتي حياتي، مكنتش شايف حد غيرك.
ضحكتك، عصبيتك، طيبة قلبك... كل حاجة فيكي كانت بتقربني أكتر.
وكل يوم كنت أقول لنفسي "هي دي اللي قلبي اختارها".
شدّت على إيده وهي بترد بهدوء:
- وأنا كنت شايفاك دايمًا... أماني، وسندي، وحب عمري كله.
بس كان ناقص تقولها.
قال بصوت أوطى من النسمة:
- ليلى عرفت، وماما فهمت، وفارس شاف...
بس أنا كنت بلف في دواير، خايف عليكِي، وخايف منك، وخايف مني.
سألته وهي تبص له بعين فيها شوق وعتاب ودفء:
- ودلوقتي؟ محمد بطل يخاف؟
ابتسم، وهزّ راسه:
- دلوقتي... محمد جاهز.
جاهز يعيش ليكي...
لو لسه في قلبك حتة ليا.
قربت أكتر، وقالت وهي بتلم خصلة من شعرها:
- قلبي من زمان باسمك...
كنت بس مستنياك تيجي وتاخده.
ضحكوا سوا، ضحكة طالعة من القلب، دافية زي الصبح اللي حواليهم.
وهو بيقرب منها أكتر، ويبص لها بعين كلها حب، وقال:
- على فكرة... ريحة التوت لسه زي ما هي،
بس انتي... بقيتي أحلى.
وكانت البداية الحقيقية ليوم مكنش شبه أي يوم.
*****
كانت قاعدة تحت شجرة كبيرة بتطل على النيل، الدفا الصباحي بينساب بين الأغصان، ووشها ناحية الميّة، سايبة شعرها على ضهرها، وعينيها بتسرح في تموّج الموج الهادي.
كانت لابسة فستان صيفي بسيط، كتفها الشمال ظاهر بهدوء، وعلى طرفه، وِحمة صغيرة... كأنها توقيع خاص للحب، محفور ليه هو وبس.
قرب منها محمد بخطوات هادية، في إيده ذرة مشويّة، ريحتها بتسبق حضوره.
وقف وراها لحظة، وسكت... وبعدين مال بهدوء، وباس كتفها بخفة شديدة، على الوِحْمة بالضبط.
هي اتلفتت بسرعة، بخضة صغيرة، بس عينيها لما شافته هدوا فورًا،
وقالت له بنبرة فيها خجل ولهفة:
- محمد!
ضحك بخفة، وقعد جنبها، وقال وهو بيبصلها بعمق:
- طول عمري بحب أبوسك هنا...
الوِحمة دي ليّا، فيها حاجة تخصني...
بس بليز، متخليش حد يشوفها غيري.
بصّت له، والهدوء اللي حواليهم كأنه بيحرس اللحظة، وشه كان مليان دفء، وعنيه فيها صراحة عميقة خالية من التردد.
ردّت بهمس:
- مفيش حد شافها غيرك... ومفيش حد هيشوفها غيرك.
مدّ الذرة المشوية ليها، وقال وهو بيضحك:
- خدي، كنت بحاول ألاقي عربية ذرة بنفس الطعم اللي كنا بناكله زمان...
لقيت واحد قريب من الذكريات.
أخدتها منه، وبصّت للذرة كأنها هدية من زمن الطفولة، وقالت له:
- عارف؟ يمكن عشان إنت اللي جايبها، الطعم هيفضل أحلى من أي وقت.
سكتوا شوية، ومفيش غير صوت الهوى، والمية، وريحة الذرة المشوية.
وبصّت له فجأة، وقالت:
- انت بتفتكر كل تفصيلة فيا كأنها بتخصك...
وبتحسسني إنك حافظني زي ما بنحفظ دعوة قريبة من القلب.
قرب أكتر، ومدّ إيده ولمس أطراف شعرها وقال:
- عشان إنتي دُعائي اللي ما بطّلتش أقوله طول حياتي.
لحظة صافية، نظرة، متحررة من الزمن والقيود... لحظة بين اتنين اختاروا بعض من غير ما يقولوا كتير، بس كل حاجة كانت بتتقال بالنظرات.
****************
فيلا عماد - القاهرة
العصر
كان الجو هادئًا، والنور الذهبي يتسلّل من شباك غرفة المكتب، ينعكس على أرضية خشبية لامعة.
جلس عماد أمام مكتبه، الهاتف بين يديه، ينظر إلى الشاشة قبل أن يضغط على زر الاتصال.
ثوانٍ، وجاء صوتها، مألوف، ناعم، و... ناقصه وجودها:
- ألو؟
- مساء النور، نازلي.
- صحيت من النوم أمتى..
- من شوية.
لسه بحاول أستوعب فكرة إني رجعت...
ضحكت بخفوت، لكن كان ورا الضحكة تنهيدة متخبّية:
- أول مرة تبقى في مكان أنا مش فية...
حاسّة إن في حاجة غريبة، حتى صوتك شكله تايه شوية.
- مش صوتي بس.
أنا فعلاً تايه، نازلي...
من ساعة ما وصلت، في حاجة جوايا مش راكبة.
بس برغم كده...
نازلي
في حاجة نقصاني بجد...
من يوم واحد بس مفتقدك، وكأني بقالي سنين مسافر بعيد عن إسطنبول.
سكتت لحظة... صمتها ماكانش برود، كان وجع صامت، اتقال بألف طريقة من غير صوت.
ثم قالت بهدوء متماسك:
- ركّز في الاجتماع.
أنا بعت لك كل الملفات، والـ presentation معمول بخطوات مرتبة زي ما بتحب.
والملف المالي جاهز من يومين، والملاحظات مترجمة إنجليزي وتركي.
ابتسم، رغم الزحمة اللي جواه:
- أكيد.
عارف إن كل حاجة تمام...
لأنك إنتِي اللي اشتغلتي عليها.
ثم أضاف، بصوت أقرب للهمس:
- كنت فاكر لما أوصل هنا، هعرف أرجع "عماد" اللي كنت عليه زمان.
بس طلعتي إنتِي اللي كنتِي بتربطيني بالمكان، بالمعنى، بالحياة.
نفسها اتغيّر، لكن ردّت بحنية متماسكة:
- إحنا شُركا في كل ده من سنين، مش هتتغير دلوقتي.
بس... خليك قوي، عماد.
الاجتماع مهم، وشريك القاهرة لازم يشوفك في أفضل حالاتك.
ضحك بخفوت وقال:
- لو يعرف إني سايب نصي الحقيقي في إسطنبول، مكنش فكر يدخل شراكة معايا.
ردّت بسرعة، وكأنها بتحاول تحمي نفسها من حجم المشاعر:
- كفاية هزار.
أنا واثقة إنك هتعمل أحسن من اللي متوقعينه.
ولو احتجت أي حاجة... أنا هنا.
- دايمًا كنتِي هنا.
حتى وإحنا بعيد...
كنتِي الأقرب.
سكتت، وكأن الكلمات جواها ما بقتش عارفة تطلع.
قال:
- طمنيني على صوتك، مش مريحني.
- مش تعبانة، بس...
يمكن أنا اللي محتاجة وقت أتعوّد.
- وأنا محتاجك...
بس خلينا نخلّص الاجتماع الأول،
وبعدين نشوف هنعمل إيه.
أنهى المكالمة.
لكن الإحساس اللي كان بينهم، ما انتهاش.
كان لسه هناك، معلق بين القاهرة وإسطنبول.
في مكان اسمه: الحنين...
**************
كانت فرح جالسة بجوار محمد، وعيونها مغمّاة بوشاح خفيف، وإيدها في إيده وهو سايق بهدوء.
صوته دافي ومليان حنية:
- فرح؟
- نعم؟
- أوعديني إنك مش هتفتحي عيونك غير لما أقولك.
- طيب... بس إنت مطول ليه؟! أنا متحمسة جدًا.
- استحملي شوية... المفاجأة تستاهل.
وصلا أخيرًا.
ركن العربية ونزل بسرعة، فتح بابها، ومدّ إيده يساعدها تنزل.
- خلي بالك
- محمد، إنت واخدني فين؟!
- بعد خطوتين، هتعرفي.
مشي بيها بإيده، كانت خطواتها مترددة لكن قلبها سابقها.
وبصوته اللي فيه ضحكة مكتومة قالها:
- افتحي دلوقتي.
فتحت عيونها... وسكتت.
الدنيا كانت قدامها، حرفيًا.
اسطبل الخيل... المكان اللي بتحبه، واللي فيها كل ذكرى دافية بينهم.
اتسعت عيونها بسعادة:
- ياااه... محمد!
- فاكرة المكان؟
- ده مش بس فاكرة... ده جوايا.
- عارف. وعشان كده جينا هنا النهاردة.
- و... عهد؟
- جوّا، مستنياكي.
دخلوا سوا، وفعلًا، كانت "عهد" واقفة بثبات وجمال، المهره اللي شهدت على وعد اتقال زمان.
- عارفه، اتولدت في يوم كان وجع كبير في قلبي.
بس وجودك، ووجودها، حوله ليوم له معنى...
سميّناها "عهد" لأننا وعاهدنا بعض وقتها...
- إننا نفضل سوا، مهما حصل.
- ولسه محافظ على وعدي.
والنهاردة...
جاي أجدد العهد. بس مش بالكلام.
- الأول، اركبي معايا.
جبتلك لبس تركبي بيه خيل، زي زمان.
فاكرة؟ لما كنتِ تقوليلي "أنا عايزة أبقى معاك عشان أحس بالأمان؟"
- لسه عايزة.
- وأنا لسه هنا.
رجعت بعد دقائق، بلبس ركوب بسيط وأنيق.
ركب محمد الحصان، ومد إيده ليها، ركبت قدامه، حضنته وهي بتحاول توازن نفسها، لكنه حضنها أقوى.
- وحشتيني... بالشكل ده.
- وأنا كمان.
- شعرك لسه بنفس الريحة.
كل مرة بشمه، بحس إن دي أول نَفَس بياخده قلبي بعد اختناق.
- ياااه... محمد...
- ولا كلمة، خلينا نعيش اللحظة.
ركبوا سوا، ولفّوا حوالين الأسطبل... والدنيا كلها كانت ساكتة إلا دقات قلوبهم.
نزلوا، ومسك إيدها، ومشوا سوا للمكان اللي اتولدت فيه "عهد". مكان بسيط، لكن مليان ذكريات.
وقف هناك، وبصّ في عينيها.
- هنا...
في المكان اللي اتولدت فيه عهد،
أنا كمان باتولد من جديد.
وهنا...
قدام ربنا، وقلبك، والنَفَس اللي بينا...
أنا بجدد عهدي ليكي.
مد إيده في جيبه، وطلّع علبة صغيرة مخملية، فتحها بهدوء.
جواها خاتم بسيط، أنيق، محفور عليه من جوه "عهدنا باقي".
- تتجوزيني يا فرح؟
مش بوعدك بكمال...
لكن بوعدك بصدق.
بوعدك بأني أكون ضهرك، وأمانك، وبيتك اللي ما يتهزش...
بوعدك إني أكون كل اللي بتحتاجيه، واللي عمرك ما تخافي منه.
فرح، بصّت له، والدنيا كلها سكتت في عينيها.
مدّت إيديها، وحضنته حضن طويل، دافي، مليان ردود من غير ولا كلمة.
وكان دا كفاية جدًا... كانت "نعم" بصوت قلبها.
محمد ضمّها أكتر، وهمس لها:
- كده الموافقة؟
- أكتر من ألف مرة "آه".
- خلاص... من النهاردة، إحنا مش بس عهد.
إحنا البداية اللي كانت مستنية عمر كامل.
******************
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
** انتظروني البارت القادم **
تعليقات
إرسال تعليق