البارت السادس عشر.. علامة لا تخطئها العين

 رواية /           هل يكفي عمري لنسيانك ؟! 


بقلم / سمر الكيال 

        حسناء الكيال 


               ***البارت السادس عشر***


سحبت ليلى يدها من قبضة عماد بكل قوة، بعينين فيها نار الغضب والكبرياء، وبصوت ثابت لا يخلو من الرجفة لكنها أخفتها بإصرار:


ليلى (بحدة وقوة):

"انت ملكش دعوة... متسألش، ولا تحاول تفهم، ولا حتى تلمّح... حياتي مش ساحة مفتوحة ليك، ولا ليك فيها أي باب ترجع منه."


ليلى وهي واقفةمستقيمة، شدّت على شنطتها وكأنها بتشد على قلبها، وبصت له نظرة أخيرة، فيها خليط غريب بين التحدي والخذلان.


ليلى (بجمود):

"فرح بنتي... دي الجملة الوحيدة اللي محتاج تحفظها، غير كده... اسحب سؤالك وراجع ذاكرتك، انت خرجت من حياتي من سنين... ومش هترجع."


استدارت بخطى واثقة، وخرجت من الكافيه، وعماد واقف في مكانه... وعيونة تتابع الباب اللي خرجت منه ليلى ، كأن وراه الحقيقة كلها ... أو الكارثة كلها .


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


غرفة نوم ليلى — الأضواء خافتة، الستائر منسدلة، والجو دافئ رغم الصمت.


ليلى جالسة على طرف السرير، تمسح بمنديل قطني بقايا مكياجها، وعينيها شاردة في مرايا التسريحة. صوت خبط خفيف على الباب يقطع السكون.


محمد (من خلف الباب):

"ليلى... ممكن أدخل؟"


ليلى (بنبرة مرهقة لكنها ناعمة):

"ادخل يا محمد..."


يدخل محمد، بهدوء، يغلق الباب خلفه، ويقترب حتى يجلس على الكرسي المقابل للسرير.


محمد (بحنان):

"عملتي إيه؟ كلمتيه؟"


ليلى تسند ظهرها، تنفخ نفس طويل:


ليلى:

"قابلته... سألني عن فرح... اتكلم بمنتهى الوضوح... وأنا... قطعت الطريق قدامه من الأول."


ينظر لها محمد بتأمل، ثم يقول:


محمد (بتردد):

"بس شكلك مش مرتاحة..."


ليلى (تتجنب النظر له):

"عماد مش سهل، و... الموضوع ده بدأ يضايقني بجد، خصوصًا إنه ابتدى يشك. بس قلتله الكلمة اللي تمنعه، و... مشيت."


محمد (يخفض نظره ثم يرفعه بقلق واضح):

"أنا مش مرتاح... حاسس إنه لسه مش مقتنع. وبعدين، فرح خدت بالها، حست إن في حاجة غلط... كانت بتشتكيلي إن الناس كلها بقت بعيدة فجأة، حتى أنا وإنتي."


ليلى تغمض عينيها لحظة، وكأنها بتحاول تهرب من الكلام، ثم تفتحهم وتهز رأسها ببطء:


ليلى (بهدوء مثقل):

"أنا مش عايزة البنت تتأذي... لكن في حاجات مش سهل تتقال."


محمد (بنبرة حنونة، وهو بيقترب شوية):

"علشان كده... لازم نحميها. أنا كلمتها واتفقنا إننا نعمل خطوبتنا الجمعة الجاية. لازم نحسسها بالأمان... إنها مش لوحدها."


ليلى تنظر له أخيرًا، وعينيها فيها دمعة مش باينة لكنها موجودة.


ليلى (بصوت منخفض):

"حافظ عليها يا محمد... حافظ عليها كويس أوي."


محمد (بإخلاص حقيقي):

"دي حياتي... ومش هسمح لحد يقرب منها، ولا يهدّ اللي بنيته معاها."


يسود صمت ثقيل... لكن فيه نوع من التفاهم والطمأنينة، كأنهما اتفقا بصمت إن الحماية بدأت من اللحظة دي.


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


الجو دافي. ضوء الشمس المتسلل من الشباك عامل ظل ناعم على الحيطان. في الصالون، قاعدة العيلة:

فرح، ومحمد، وليلى، وإلهام.

ورقة وقلم على الترابيزة، ومعاهم لابتوب فيه صور قاعات وفساتين وخواتم.


إلهام (بابتسامة وهي بتقلب الصور):

"أنا شايفة نعمل الخطوبة في الجنينة… الجو هايل، وليلى عندها شجر وورد هيخلي الصور تحفة!"


ليلى:

"أنا موافقة، بس لو الجو برد، نعملها جوه ونفتح السقف الزجاجي… تبقى حاجة راقية."


محمد:

"متفقين… بس في موضوع أهم دلوقتي محتاج قرار حاسم."


فرح (وهي بتبص له بنظرة متحدية فيها دلع):

"هنتكلم عن الفستان تاني؟! أنا قررت… كب! عاجبني، وخلاص!"


محمد (واقف، عامل نفسه منزعج وهو بيقفل اللابتوب):

"كب إيه يا فرح! لا يمكن! مينفعش تلبسي كده… الوحمة بتاعتك باينة، ومش بحب حد يشوفها. حتى أمي مش بحب تشوفها."


فرح (تضحك وهي تقرب منه):

"ربنا خلقهالي يا محمد… وبعدين دي مرة واحدة. عجبني وعايزة ألبسه. بعدين دي خطوبتنا، مش هبقى مرتاحة في حاجة مش على مزاجي!"


إلهام (بتدخل بلطف):

"طب يا حبيبي هي بتقول إنها مرتاحة فيه… وأنت أصلاً بتعشق كل تفصيلة فيها، مش كده؟"


ليلى (بحدة دبلوماسية):

"محمد، طول عمرك غيور… بس دي بنتي، وأنا عارفة إنها عاقلة. سيبها تختار اللي يفرحها."


محمد (ينفخ بطفولة):

"وأنا فرحتي أهم… ولو الناس بصّت؟!"


فرح (بهمس ناعم وهي تقرب منه أكتر):

" محدش هيبص ... دول بيخافوا منك "


إلهام (تضحك):

"طب إنتوا يا إما تتفقوا، يا إما نسيبكم تتخانقوا لحد بكرة… أنا زهقت!"


ليلى (وهي تقوم مع إلهام):

"يكش تولعوا! مش هنقعد نصلح بين اتنين مخهم ناشف كده…"


يسيبوا المكان، ويطلعوا فوق سابيين الجو مشحون بنغمة ضاحكة.


،،،،،،،


بعد خروجهم


فرح واقفة بتتدلّع، بتعض شفايفها بخفة، وتبص لمحمد اللي بيبص لها بنظرة فيها حب وغضب وانهزام واضح.


فرح (بصوت ناعم):

"هتخاصمني عشان حبيت ألبس فستان؟"


محمد (يقرب منها):

"هخاصم الدنيا لو شوفتك متضايقة… بس أنا مش قادر أتخيل حد يشوفك بالطريقة اللي أنا بشوفك بيها."


فرح (تضحك وهي تلمس طرف التيشيرت بتاعه):

"ولا حد هيشوفني كده غيرك… بس كفاية عليا إنك بصتلي كده دلوقتي."


محمد (بصوت واطي جدًا):

"ده وأنا متعصب… شوفي وأنا هادي هعمل فيكي إيه…"


يقرب منها أكتر، ويده تلمس طرف خدها بحنية، تبص له وهي سايبة نفسها للحظة، يلمس شعرها، يقرب منها ببطء، وبدون كلمة تانية يبوسها… قبلة طويلة، فيها كل الحب والغيرة والخوف اللي في قلبه.


تلف إيديها على صدره، وهو يحتويها بالكامل في حضنه، يدوبوا في اللحظة.


ابتسامة هادية ترتسم على وشها وهي بتقول له:


فرح:

"وعد… مهما حصل، تفضل شايفني بنظرتك دي."


محمد (بهمس):

"وعد… ده الوعد اللي مش ممكن اكسروا  أبدًا."


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


في صباح دافئ، الجنينة الكبيرة في فيلا أبو زيد تتحول بهدوء إلى لوحة أنيقة تحت إشراف فريق من المنسقين. الشمس لسه طالعة والندى بيبرق على ورق الشجر، والهواء رايق وخفيف.


شباب شركة الديكور بيدخلوا بأدواتهم، بيفردوا مظلة بيضاء حريرية فوق ترابيزة طويلة. سلال ورد وأعمدة زينة تتوزع في الزوايا، والكراسي بتتلف بشرائط ساتان هادئة اللون. في الخلفية، موسيقى ناعمة من البيانو شغالة من السماعات.


ترابيزة الحلوى بتتجهز:  شوكولاتات مغلفة بورق لامع، وكؤوس عصير مزينة بورد صغير. المصوّر يوصل، يمر على المكان بعينه، يضبط زوايا الكاميرا، وجهه مركز وكل حاجة ماشية بدقة.


ليلى وإلهام واقفين فوق في البلكونة، لابسين روب خفيف، بيتفرجوا على التجهيزات، وليلى ساكتة بس ملامحها فيها توتر ناعم، وإلهام تلمح ابتسامة دافية.


الجو كله بسيط وأنيق، هادي، ومليان ترقب… كأن كل تفصيلة صغيرة بتتجهّز علشان لحظة حب هتبدأ بعد شوية.


تتوقف سيارة أمام البوابة، وتنزل منها الميكاب آرتيست بابتسامتها الواسعة وحقيبة مستحضراتها اللامعة في إيديها. تدخل الفيلا بخفة وأناقة، تتجه ناحيّة الباب الرئيسي، فتستقبلها إلهام بابتسامة دافئة.


إلهام (وهي بتفتح الباب):

أهلًا وسهلًا، تعالي، فرح فوق في أوضتها، مستنياكي من بدري.


الميكاب آرتيست:

صباح الورد، أنا متحمسة ليها أوي، شكلها هتبقى قمر النهاردة!


إلهام (بابتسامة خفيفة):

وهي أصلاً قمر


تدلها إلهام على السلم، وتبدأ تطلع وهي سامعة صوت ضحك ناعم جاي من فوق. في الطابق العلوي، باب غرفة فرح مفتوح، وتبان ملك قاعدة جنبها على السرير، ماسكة لها فستان الخطوبة بتقلب فيه، وبيضحكوا سوا على حاجة فرح قالتها.


فرح (بمرح):

لو مكياجي طلع تقيل هسيب الفرح وأهرب، بقولك أهو.


ملك (تضحك):

والله لأسحبك من شعرك وارجّعك، انتي شايفة محمد هيعمل إيه لو مجيتيش؟


تدخل الميكاب آرتيست بابتسامة وهي تقول:

جاهزين نبدأ؟


ملك تقوم على طول وتفسح لها مكان:

جاهزين ، بس بالراحة على عروستنا.


في الدور السفلي، نروح على غرفة محمد… الباب موارب، وفارس واقف جنبه، لابس قميص شيك، ومركز على ملاحظات مكتوبة في ورقة.


فارس:

بص يا محمد، البوفيه وصل، الفرقة وصلت، والمصورين كمان. ناقص بس الكيك يوصل.


محمد (وهو بيربط الكرافتة قدام المراية):

كويس، انت المفروض تبقى مدير الحفلات مش الذراع اليمين، بس شكلك بتعرف تعمل كل حاجة.


فارس (يضحك وهو بيرفع حاجبه):

قول الحمد لله إنك عندك واحد زيي.


محمد (بابتسامة هادية):

الحمد لله… خصوصًا النهاردة.


محمد ياخد نفس طويل، يبص في المراية، وبعدين لفارس:

جاهزين للحظة اللي كنت بستناها من سنين.


فارس يطبطب على كتفه وهو بيقول:

يلا يا نجم، عروستك فوق مستنياك تتبهر بيها.


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


النهار بيودّع، والشمس بتتوارى ورا الأشجار العالية، مخليّة لون السماء بين دهبي وبرتقالي. الجو عليل، والجنينة متزينة بأضواء خافتة ملفوفة على الأشجار، وطاولات مرتبة بأنواع من الزهور البيضاء والروز الناعمة. موسيقى خلفية كلاسيكية ناعمة بتملأ الجو.


ليلى واقفة على الباب، بتستقبل الضيوف، جنبها إلهام، والابتسامة على وشهم لكن العيون فيها طبقات من الحنين والفخر.


نازلي وعماد يدخلوا سويًا، أناقة رصينة، وجوههم مبتسمة، ونازلي تبص في كل التفاصيل بإعجاب.


مدخل الفيلا الداخلي، محمد واقف عند أول السلم، لابس بدلة أنيقة جدًا، وشكله مزيج من الحماس والرهبة. قلبه بيدق، عينه مش بتبعد عن السلم. كل الناس بتتحرك حواليه، لكن الزمن كأنه وقف.


الموسيقى تتغير… تعزف أنغام أغنية " أدي اللي في بالي بالملي قمر ومن السما نزلي دي بسم الله ماشاء الله تشوفها تسمي وتصلي"... وكل العيون تتجه للسلم.


تظهر فرح... فستانها ناعم، أنيق، يخطف القلب ببساطته. شعرها منسدل، وخطاها هادئة، لكن عينيها متشبكة في عين محمد اللي بيبص لها كأنه أول مرة يشوفها.


محمد (بصوت واطي أول ما شافها):

الله… على أجمل حاجة حصلتلي في حياتي.


فرح تبتسم، وتوصل له، فيمد إيده وياخد إيديها الاتنين، ويبص في عينيها.


محمد:

انتي عارفة؟ كنت بحبك… دلوقتي بقيت أعشقك.


يتقدّموا مع بعض، وسط تصفيق حار، ويدخلوا الحديقة سويًا.

أحمد السوهاجي واقف بيراقب من بعيد، بيبتسم لكن عينه فيها غصة.

فارس يجي ناحيته يربّت على كتفه بابتسامة مرحة تخفف التوتر، ويقول له نكتة تخفف الجو، فيضحكوا سوا.


يتقدم محمد وفرح ناحية الطاولة الرئيسية، وبعد كلمات قصيرة من ليلى وإلهام، يبدأ لحظة تبادل الدبل.


محمد وهو بيلبسها الدبلة:

دا مش خاتم… دا وعد إنك عمري كله.


فرح وهي بتلبسه الدبلة:

وأنا وعد… إني أكون ليك دايمًا.


الموسيقى تتحول لنسخة رومانسية هادئة من الأغنية، ويتقدّم محمد يطلب منها الرقصة الأولى.


يرقصوا، خطوة بخطوة، والناس حوالينهم، بس كأن الدنيا فاضية إلا هما.


بعد الرقصة، تبدأ فرح تتحرك وسط الناس، تمشي بخفة وفرحة، تحيي بعض الضيوف، تضحك، وتتكلم... وفي لحظة، ملك تنده عليها:


ملك:

فرح! استني ثانية!


تلف فرح بسرعة، شعرها يتحرك، وفستانها يلمع تحت الضوء، ومع اللفّة، الكتف الشمال بينكشف شوية... وتظهر وحمة مميزة.


"عماد"...


واقف  في مكان مش بعيد مع نازلي، بيشرب عصير. عينه تقع فجأة على الوحمة.


وجهه بيتجمّد، كأن الزمن وقف.


عماد (في سره، والصدمة في عينيه):

الوحمة... دي... مستحيل.


يتنح، والكاس في إيده بيرتعش، يحاول يخبي رد فعله بسرعة، ياخد نفس عميق… يطبطب على نازلي بخفة، ويكمل حديثه معاها كأن ما حصلش حاجة... لكن عينه مش بتبعد عن فرح.


                 *************


بقلم / سمر الكيال 

        حسناء الكيال 


                    ** انتظروني البارت القادم **

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن الكاتبتين: حسناء الكيال وسمر الكيال

البارت الثالث .. منافس قوي

البارت الرابع .. بين الغياب و اليقين