البارت الثاني والعشرون.. نظرة الوداع

 رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟! 


بقلم / سمر الكيال 

حسناء الكيال 


*** البارت الثاني والعشرون***


الليل كان هادي... لكن قلبها كان صاخب.


فرح كانت قاعده على طرف سريرها، ضهرها منحني، وكتافها نازله كأنها شايلة سنين، مش يوم.

كل دمعة نزلت كانت بتدفن حلم، وكل شهقة مكتومة كانت بتكتم وجع ما يتوصفش.


كلام محمد بيرنّ في ودنها زي طلقة:

"إحنا لازم نوقف هنا... ماينفعش نكمل."


قامت، وقلبها بيخبط فصدرها كأن فيه حاجة بتحاول تهرب.

مشيت في أوضتها، لمست الحيطة، المكتبة، الكرسي... كل حاجة فيها ريحته.

كأن الأوضة نفسها بتعيّط معاها.

نظرت على المخدة اللي كان بيحط راسه عليها جنبها، لمستها بلُطف، وهمست:

"كنت هنا عشانك... ولما مشيت، ماعدش ليا مكان."


وقفت قدام الدولاب، فتحت بابه، طلعت شنطة صغيرة، ولمّت هدومها واحدة واحدة، كأن كل قطعة بتفكّرها بيه.

قلبها بيتقطع... بس كرامتها بتقول:

"امشي... امشي قبل ما تنهاري أكتر."


نزلت السلالم، نظرتها ماسكة كل ركن في الفيلا...درابزين السلم اللي نزلت عليه أول مرة لابسة فستان عيد ميلادها ومحمد بيصورها،

الكنبة اللي نامت عليها وهي مستنياه يرجع من السفر،

المطبخ اللي طبخت فيه أول مرة أكل ليه وهو قال: "أحلى أكلة في الدنيا".


الركن اللي كان بيستنّاها فيه بعد مدرستها،

السفرة اللي كانوا بيتخانقوا فيها على آخر قطعة شوكولاتة،

البيانو اللي عزف لها عليه "أنساك"، وضحك وهو بيغنّيها غلط...

كل شيء كان بيودّعها من غير صوت.


وصلت لباب البيت... وقفت لحظة.

أغمضت عينيها، وتنهدت تنهيدة طويلة كأنها بتودّع سنينها،

فتحت الباب ومشيت.


،،،،،،،،،،


قدام فيلا عماد.


وقفت بتردد.

شنطتها في إيد، وقلبها في التانية.

مدّت إيدها وطرقت الباب... مرة... واثنين... وثلاثة.


الباب اتفتح.

وكان عماد واقف، ونازلي وراه.


عيونه اتسعت لما شافها...

وشها شاحب، خدودها مبلولة، والهزّة اللي في جسمها كانت باينه زي الرعشة.


بصّت له بعيون تايهة، وقالت بصوت مكسور:


"أنا آسفة... آسفة إني جيت في الوقت ده...

بس... ماعنديش مكان أروحه...

بعد بيت محمد... مابقاش ليّا بيت."


اللحظة كانت أتقل من أي كلام.

عماد ما اتحركش، بس عيونه كانت بتصرخ: "ازاي؟"

مد إيده وخد منها الشنطة، وقال بنبرة حنونة:


"تعالي يا فرح... البيت ده دايمًا ليكي."


نازلي قربت منها، لمست إيدها بلُطف:


"انتي منوّراه يا حبيبتي... تعالي ندخل."


دخلت فرح، خطواتها تقيلة، كأن رجليها مش شايلها،

لكن الأمان اللي لقيته في الاستقبال كأنّه هدنة مع الوجع.

نازلي قالت تعالي اقعدي شوية هنا ... بس فرح قالت لا انا حابة ارتاح شوية معلش ..


طلعت نازلي معاها فوق...

وأول ما دخلوا الأوضة، بصّت فرح حواليها...

مكان جديد... بس هي مش جاهزة لأي جديد.

وقعدت على طرف السرير، من غير ولا كلمة،

عينها فاضية، بس جواها بركان.


،،،،،،،،،،


تحت، عماد قاعد في الصالون، مذهول.


بص لنازلي وقال:


"جات؟ جات لوحدها؟ وشنطتها معاها؟

يعني إيه؟ يعني محمد خلاها تمشي؟ دي مش فرح... دي كانت عمره!"


نازلي حطت إيدها على كفه وقالت بهدوء:


"في حاجة كبيرة حصلت... بس مش وقته دلوقتي.

فرح محتاجة ترتاح... وبكره نفهم كل حاجة."


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


الصباح في فيلا عماد.


الشمس كانت بتتسلل بخجل من شبابيك السفرة، وريحة القهوة بتتمشى في البيت.

نازلي كانت واقفة في المطبخ، بتحضّر الفطار بحنان واضح.

قطعة جبن هنا، شاي هناك، وعينها كل شوية تبص للدرج .


عماد دخل بهدوء، لابس لبس خفيف، وعينه رايحة تلقائيًا على السلم، كأنّه مستني صوت خطوات.


نازلي (بابتسامة خفيفة):

" تفتكر هتنزل تفطر معانا النهاردة، أنا عملت الأكل اللي فرح بتحبه."


عماد (وهو بيقرب):

"لازم أصحيها تفطر معانا... لازم تحس إن ده بيتها ... وإننا مستنينها."


اتجه ناحيه السلم، لكنه وقف فجأة وقال بوجهه اللي فيه وجع أكثر من الغضب:


"نازلي... أنا لازم أقابل محمد."


نازلي (بهدوء وتشجيع):

"وتقوله كل حاجة بتوجعك، تسأله إزاي سبها تمشي لوحدها كده!

إنت أبوها... ولو حد ليه الحق يعرف، فهو إنت."


عماد (بعزم):

"أنا مش هرتاح غير لما أفهم... محمد مستحيل يعمل كده من فراغ."


،،،،،،،،،،،،،،،

فيلا أبو زيد - صباح اليوم التالي


محمد واقف قدام المراية في أوضته،

بيلبس الساعة ببطء...

نظراته تايهة، ومفيش أي تعبير على وشه غير الهم. من ساعة ما فرح طلعت من الفيلا ... كان عارف رجالتوا اللي بيحموها بلغوا بكل خطوة ليها...


رابط الكرافتة، وسرح وهو بيشدها على رقبته...

كأنها بتخنقه مش بتكمّل لبسه.

طلع نفس تقيل وقال لنفسه:

"كل ده كان عشان أحميها... بس كل حاجة بتنهار."


طرق خفيف على الباب.

فتح الباب، لقى ليلى وإلهام واقفين،

وشوشهم باين عليها الصدمة والقلق.


ليلى (بصوت بيتهز):

"محمد... فرح مش في أوضتها."


إلهام (بتكمل بارتباك):

"ولقينا الدولاب فاضي... كل حاجتها خَدِتها معاها."


محمد حس إن قلبه اتخبط خبطة جامدة،

لكنه فضل ثابت من بره... ساكت.

عينيه بس هي اللي اتهزت.


ليلى (بدموع):

"يعني إيه؟ هي راحت فين؟"


محمد بصّ لها، ونطق بصوت واطي لكن فيه يقين موجع:


"راحت لعماد... معندهاش مكان تاني تروحلوا"


ليلى (انهارت بالبكاء وهي تمسك دراعه):

"ليه راحت؟

أنا لسه امبارح كنت بكلمها...

قالتلي إن الحاجة الوحيدة اللي مخليّاها قاعدة في البيت دا... هي إنت يا محمد."


الكلمة دي نزلت على قلب محمد زي السكينة،

قطع منه النفس،

ووشه اتغيّر تمامًا كأنه حد كسّر جواه حاجة مش هتتصلح.


سابهم من غير ما ينطق بكلمة،

وخرج من أوضته،

وقف قدام باب أوضة فرح.


لف إيد المقبض، فتح الباب...

ريحة خفيفة لسه طالعة من هدومها،

سريرها متروك بعناية... بس فاضي.

مكان البرفان فاضي... الكُتب مش في مكانها...

حتى الكُباية اللي كانت بتحب تشرب بيها الشاي... مش موجودة.


دخل جوه،

مد إيده ولمس المرتبة...

وعينيه بدأت تدمع لأول مرة من غير ما يقدر يمنعها.


"كل حاجة فيها كانت بتنطق... حتى السكوت."


قعد على طرف السرير،

بص حوالين الأوضة،

كأنها كانت هنا من شوية... ولسه الدفا في المكان.


"كنت فاكر إني لما أبعدها... بحميها،

بس الحقيقة إني كسّرتها بإيديا."


نزلت دمعة، مسحها بعنف،

ووقف وهو بيبص للمكان للمرة الأخيرة قبل ما يخرج.

نظرة وداع... مش مجرد غياب.


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


شركة محمد - بعد ساعات من خروجه من البيت


محمد داخل شركته...

واقف قدام الزجاج، بيبص للمدينة وهي بتتحرك قدامه،

بس هو واقف مكانه... تايه.


حاول يتماسك، رتب هدومه،

حط إيده في جيبه...


قطع صمته صوت تليفونه بيرن،

بص، لقى اسم "عماد بدر" على الشاشة.


محمد (بصوت هادي):

"أيوه يا عماد... أنا في الشركة."


عماد (بحدة):

"جايلك."


قفل الخط.


،،،،،،،،


بعد حوالي ساعة - باب مكتب محمد بيتفتح بعنف


عماد داخل زى الإعصار، صوته عالي، ونبرته كلها غضب ووجع:


"انت عملت فيها إيه يا محمد؟!

فرح تيجيلي على الفجر، لوحدها،

وشكلها باين عليه إنها منهارة ومكسورة،

شنطة هدومها ف إيديها...

وعنيها فاضية... مش بترد على أسئلتي...

انت عملت فيها إيه؟!"


محمد (بهدوء خنقه الحزن، وهو واقف بعيد):

"مش ده اللي كنت عايزه؟

بنتك رجعتلك، بقيت ف حضنك...

مشيت من عندي بإرادتها..."


عماد (بحدة ودهشة):

"بإرادتها؟!

دي كانت هتموت وهي قاعدة بعيد عنك...

فين تمسكك بيها؟!

فين إصرارك اللي كنت بتقسم بيه أنك مش هتسيبها؟!

فين محمد اللي هد الدنيا كلها لما قولتله إن بنتي لازم تعيش معايا؟!

إزاي خلتها تطلع من عندك كده؟

وسايبها تمشي من غير ما تكلف خاطرك حتى تسأل...

راحت فين؟ مع مين؟ كويسة؟ ولا لأ؟"


محمد (يتنهد، يلف وراه وميبصش في عينه):

"عماد...

أنا وفرح انفصلنا.

ومتسألنيش ليه... عشان ماعنديش إجابة أقولهالك.

بس اللي أعرفه...

إني مسافر بكرة... وممكن أطول."


عماد واقف مصدوم، بيبص لمحمد كأن صوته مش واصل،

وبعينين كلها خذلان وغضب بيقوله:


"انت كسرت بنتي...

و السبب إيه؟

هروب؟ ضعف؟

لو رجعت في يوم تاني تفكر ترجعها... تبقى بتحلم.

أنا مش هسمح لحد مستهتر زيك يقرب منها تاني."


وبيتحرك ناحية الباب... لكن قبل ما يفتح الباب...


محمد بصوت واطي، لكنه مليان رجاء، وكسرة خفية غطّاها بهدوء مريب:


"عماد..."


عماد يلتفتله...


محمد (بعيون بتلمع وهو بيحاول يتحكم في نبرته):

"خلي بالك من فرح.

هي...

هي أمانتك.

فرح في رقبتك...

أنا ماعتش قادر أكون جنبها... بس انت تقدر."


عماد يفضل ساكت لحظة،

يبص لمحمد...

ويسيب المكتب من غير ما ينطق بكلمة.


محمد يفضل واقف، يبص للباب اللي اتقفل،

وكأن الحياة نفسها بتتقفل وراه.


نفس طويل بيطلعه من صدره...

بس الوجع لسه ثابت في مكانه...


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


فيلا عماد - الدور الأرضي - صالة الجلوس

مساء نفس اليوم 


إضاءة خافتة في الصالة...

نازلي قاعدة على الكنبة، وعماد واقف قدامها، بيمشي رايح جاي، متوتر.


نازلي (بقلق):

"طمني، قابلت محمد؟ قالك إيه؟"


عماد (بحيرة وعصبية مكتومة):

"قابلته... آه، بس... أنا مش فاهم حاجة يا نازلي.

كلامه بيقول إنه بايعها...

نبرته بتقول إنه بيموت...

عينيه كانت بتنزف وهو بيقول لي: (فرح أمانة في رقبتك).

بيقولي إنه هيسافر برا مصر...

وهيسيبها كده، من غير ولا حتى كلمة..."


نازلي (بذهول):

"يسيبها؟!

يسيب فرح؟!

ده كان بيحبها أكتر من نفسه يا عماد، فين المنطق في ده؟!"


عماد (ينزل قاعد وهو بيحط راسه ف إيده):

"مش لاقي تفسير...

مش لاقي أي منطق...

لو شُفتِي عينيه وهو بيكلمني، تحسي إن روحه بتطلع مش بس كلام...

كان بيتكلم كأنه بيودّعها...

بس من غير ما يقول.

أنا... أنا بقيت خايف عليها أكتر.

لو عرفت إنه هيسافر،

أنا مش عارف انهيارها هيبقى شكله إيه..."


ونطلع لفوق... باب أوضة فرح موارب... وهي واقفة ورا الباب... سامعة كل كلمة.


واقفة من غير نفس...

شعرها سايب ومبهدل من كتر النوم اللي في نصه بكاء ونصه وجع.

عنّيها واسْعة ومصدومة...

كل كلمة بتخترق قلبها كأنها سهم مسموم.


فرح (بصوت داخلي وهي بتحاول تاخد نفسها):

"يسافر...؟

من غيري...؟

أنا كنت مستنية يصالحني...

مستنية يفتح لي حضنه...

مش... يختفي."


ترجع خطوة لورا...

إيدها على صدرها كأن قلبها إنطعن فجأة،

أنفاسها متقطعة، بتحاول تتماسك...

بس دموعها نزلت غصب عنها.


تدخل أوضتها، وتقفل الباب بهدوء

(مش بتهرب، لأ...

بتختنق).


تقعد على الأرض... مش قادرة توصل للسرير حتى.

تشد مخدتها من فوق السرير وتحضنها كأنها حضن محمد...

وتهمس وهي بتبكي:


"إزاي... تروح... وأنا لسه... بحبك؟

إزاي تسيبني... وانت كل دنيتي؟

أنا مش مستعدة أخسرك...

ولا أودّعك...

ولا أعيش من غيرك."


تسكت لحظة...

وبعدين تصرخ ف المخدة،

صوتها مكتوم...

بس الوجع مبحوح،

مسموع لربّ الكون كله...


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


فيلا أبو زيد - السفرة

مساء اليوم اللي قبل سفر محمد


الإضاءة هادية، شمعة واحدة متقدة في منتصف السفرة الكبيرة...

الأكل متوضّب بشكل أنيق 

لكن المعالق زي ما هي،

الصحون فاضية.

الجو كله صمت غريب، خانق...


محمد قاعد في صدر السفرة،

وجهه مرهق، لكن متماسك...

إلهام على يمينه، وليلى على شماله...

كل واحد بيغمس ف طبقه بس ما بياكلش،

العينين شاخصة،

والأفكار مش موجودة هنا.


صوت المعلقة وهي بتلمس الطبق هو أكتر صوت واضح في المكان.


بعد دقايق طويلة من الصمت...


محمد (بهدوء مفاجئ، ونبرته محسوبة جدًا):

"أنا مسافر بكرة."


(الصوت يقطع الصمت )

إلهام وليلى يرفعوا راسهم مرة واحدة، نظراتهم مصدومة.


إلهام (بقلق فوري):

"مسافر؟ فين؟ ليه فجأة كده؟"


محمد (بنفس الهدوء المتعمد):

"في شغل برا مصر...

الموضوع معقد شوية وهيطوّل.

مفيش مدة محددة للرجوع.

بس أنا بلغت فارس، هو هيكون موجود بدل مني في أي حاجة تحتاجوها."


ليلى (بصوت مبحوح ومرتعش):

"البيت فَضي علينا خلاص...

فرح مشيت،

ودلوقتي إنت كمان؟"


إلهام (تقوم واقفة وهي بتحاول تمسك نفسها):

"أنت مخبي عني حاجة؟

إنت مش طبيعي من كام يوم،

مش دي سفرياتك اللي متعودين عليها!

قولي... في إيه؟"


محمد (يبص في طبق فاضي، صوته منخفض لكن حاسم):

"مفيش يا أمي...

مجرد شغل، محتاج تركيز،

والسفر أفضل من إني أقعد هنا وأتوه أكتر."


(يسود صمت مرة تانية، بس المرة دي الصمت تقيل، موجوع)


ليلى (بصوت واطي):

"كان نفسي تفضل هنا...

فرح قالتلي امبارح إنك السبب الوحيد اللي مخلّيها لسه في البيت.

إنت السبب الوحيد اللي مخلينا نتحمّل."

(بصوت مكسور)

"كنت بقول، مهما حصل، محمد هيجمّعنا تاني...

بس الظاهر حتى إنت مش قادر تجمع نفسك."


(إلهام تقعد على الكرسي، وتحاول تخفي دمعتها)


إلهام (بهمس):


"والله خلاص كبرت، وبقيت بتخبي على أمك؟"


محمد (ينظر ليها لحظة طويلة، والدمعة ف عينه لكنه بيقاوم):

"عمري ما كبرت عليكِي يا أمي...

ادعيلي...

بس كده."


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


مطار القاهرة - صالة المغادرة

صباح اليوم التالي


هدوء ثقيل.

كأن الهواء واقف، والزمن اتعطل،

كل واحد فيهم واقف... بس مش قادر يواجه الحقيقة.


محمد واقف قدام بوابة السفر،

لابس بدلة بسيطة، لكن عينه لا تشبه أي وداع عادي.

واقف جنبه:

فارس،

ليلى،

وإلهام.


كلهم واقفين، بس مش واقفين بس...

واقفين وهما جواهم انهيار.


إلهام ماسكة إيده بقوة، كأنها بتقاوم القدر:


"ماقولتليش إنك مسافر يا محمد... فجأة كده؟

هتسيبني ؟ بعد اللي حصل؟

وفرح؟ هتسيبها؟ والله قلبي مش مرتاح..


محمد بص ليها، وصوته مبحوح:


"أنا مش سايبك يا أمي...

بس في شغل مهم لازم أخلصه...

محتاج وقت


لكن عنيه مابتكدبش.

فيها حزن دفين...

زي اللي بيودع أكتر من بلد... أكتر من حياة...

زي اللي مش واثق هيرجع.


ليلى وقفت جنبه، وعلى وشها الصدمة:


"كنت بتقول فرح سبب وجودك هنا،

دلوقتي سايب البيت؟ سايبها؟

البيت فاضي من غيركم،

وهي قالتهالي...

أنا قاعدة عشان محمد."


الكلمة كسرت ضهر محمد.

خفض عينه، وكل كيانه وقع للحظة.

بس رجع تماسك.

مسك شنطته... لكن قبل ما يتحرك حصلت اللحظة.


اللحظة اللي خلت المطار يسكت


من بعيد،

من خلف الزحمة...

فرح ظهرت.


لبس بسيط، عيون مورّمة، شعرها منكوش شوية كأنها خرجت من حلم مفزع.

واقفـــة،

مش بتتكلم،

مش بتعيط،


محمد شافها...

واتسمر.

نسي المطار، نسي الطيارة، نسي السفر.


وقف بينه وبينها عشر خطوات...

لكن كأنهم سنين.


فرح ماقالتش حاجة،

لكن كل ملامحها بتصرخ:


ليه؟

ليه سايبني؟

ليه بتمشي وأنا لسه هنا؟"


محمد حاول يبتسم، لكنه ماقدرش.

عنّيه غرقت.

جواه صوت بيصرخ: "اجري عليها... خدها في حضنك... متسيبهاش..."

لكن في صوت في عقله بيهمس:

"كل ده عشانها..."


فارس يلمس كفه:


"محمد... النداء الاخير."


محمد ياخد نفس عميق...

ويبص لفرح آخر نظرة.

نظرة كلها:

بحبك... غصب عني... سامحيني... حافظي على نفسك

ويمشي.


ماودّعهاش.

ماكلّمهاش.

ماخدهاش في حضنه.

لكن ساب قلبه معاها... ومشي.


فرح وقفت مكانها،

جسمها ثابت،

لكن روحها بتنزف.

لسانها عاجز،

بس دموعها بتحكي اللي مش قادره تقولُه.


**********


بقلم / سمر الكيال 

حسناء الكيال 


** انتظروني البارت القادم **

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن الكاتبتين: حسناء الكيال وسمر الكيال

البارت الثالث .. منافس قوي

البارت الرابع .. بين الغياب و اليقين