البارت الواحد والعشرون.. كان لازم ابعد
رواية / هل يكفي عمري لنسيانك ؟!
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
***البارت الواحد وعشرون***
مدخل قاعة المحاضرات – قبل بدء المحاضرة بدقائق
ملك تمشي جنب فرح بخطوات سريعة، عينيها مليانة حماس، وهي تحاول ترجع البسمة لصاحبتها بأي طريقة.
ملك (بهمس مشاغب وهي بتدخل القاعة )
انا بصراحة اكتر محاضرة بحبها هي دي .. ولما هسافر اكمل دراسة برة هو دة اكتر دكتور هزعل اني سبتة...وتضحك
فرح ترفع حاجبها، وتدخل معاها المدرج. يقعدوا في أول صف، فرح تلتفت حواليها بنظرات مترددة، ولسه مش متعودة ترجع وسط الزحمة بعد العزلة الطويلة.
لحظة صمت…
صوت خطوات يدخل من باب المدرج الخلفي… الدكتور أحمد السوهاجي يدخل بخطوات واثقة وهدوءه المعتاد. أول ما يشوف فرح، نظراته تتغير، تبان لمحة فرح وسعادة واضحة في عينيه، لكنه بسرعة بيحاول يخفيها ويمسك زمام المحاضرة.
أحمد (بصوته الثابت):
"صباح الخير، يا جماعة. أنا الدكتور أحمد السوهاجي، وهنبدأ مع بعض محاضرات مقرر... [اسم المادة]."
تمضي المحاضرة بشكل طبيعي، فرح تكتب ملاحظاتها بهدوء، لكن بين كل فقرة والتانية، بتلاحظ إن نظرات الدكتور أحيانًا بتتوجه ليها من غير ما يتكلم.
نهاية المحاضرة…
الطلبة تبدأ في جمع حاجاتهم والخروج من المدرج، فرح تقوم وملك جنبها، لكن صوت الدكتور يسبقهم.
أحمد (بنبرة هادئة):
"آنسة فرح؟ ممكن لحظة؟"
ملك تبتسم ابتسامة مشاغبة وتسحب نفسها، تاركة فرح مترددة للحظة، لكنها تلتفت له وتنتظر.
أحمد (وهو يقف أمام السبورة، نبرة صوته دافئة ومحترمة):
"أنا سمعت ترطيش كلام كده من الناس في الشركة… عن اللي حصل معاكي. مش سهل، أكيد. بس أنا متأكد إنك أقوى من أي حاجة ممكن تكسر حد تاني."
فرح تفضل ساكتة، نظرتها ما بين الهدوء والتعب.
أحمد (بيكمل، ونبرة صوته فيها تقدير حقيقي):
"أنا فرحت إنك رجعتي الكلية… بجد. ولو احتجتي أي حاجة من اللي فاتك… أنا تحت أمرك. أظن رقمي لسه معاكي، صح؟"
فرح (بإيماءة بسيطة):
"أيوه، لسه… شكرًا يا دكتور."
تدير ظهرها وتبدأ تمشي بخطوات هادئة. أحمد يفضل واقف مكانه، يتابعها بعينه وهي بتخرج من المدرج، وفي عينه شعور واضح بالإعجاب الصامت.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مكتب محمد في الشركة – بعد المغرب
الجو في المكتب هادي، الإضاءة خافتة، الأوراق مبعثرة على المكتب، وكأنها انعكاس لحالة محمد النفسية. محمد جالس على الكرسي بظهره، بيمسح على وشه كأنه بيجمع شتاته.
فارس يدخل بخطوات سريعة، وبيقفل الباب وراه:
فارس (بصوت واطي لكن واضح):
"أنا خلاص حجزتلك، المفروض تكون في المستشفى الألمانية بعد تلات أيام."
محمد (من غير ما يبص له):
"تمام… وانا كلمت المحامي… وخلصت معاه الأوراق دي."
يمد محمد إيده ببطء لورق موضوع على طرف المكتب. فارس ياخده ويبدأ يتصفحه، وفجأة يتجمد مكانه.
فارس (بدهشة):
"توكيل…؟! ليّه؟!"
محمد (بصوت مخنوق، بيحاول يفضل ثابت):
"كلمت الدكتور الألماني هناك… قالي إن العملية مش هتتعمل بين يوم وليلة. هيبدأوا بإشاعات وتحاليل ودراسة للحالة… محتاج حد يكون مسؤول هنا لو حصللي حاجة…"
يسكت لحظة، صوته يرتعش وهو بيكمل:
"مش بس الشركة اللي وكلتك بيها … أمي وعمتي… أمانة في رقبتك. هي بتعتبرك زيي بالضبط…"
فارس يتنهد، ويمسك الورق بإيده المرتعشة.
محمد (ينظر له بعمق، وبيكمل بصوت مبحوح):
"وفرح… فرح عينك عليها. أوعى تسيبها…"
فارس (صوته مختنق بالدموع):
"انت هترجع… ليه بتتكلم كأنك مش هترجع تاني؟!"
محمد (بصوت حاسم، لكن في رعشة قلب):
"أنا مكلف ناس تتابعها من بعيد. عارف إنها نزلت الجامعة النهاردة. فرح قوية… وكنت عارف إنها هتتخطى وجعها وتكمل حلمها… حلمها بكلية الهندسة. بس محتاجة حد يخاف عليها… زيي."
يسود صمت، وفارس مش قادر يرد… بس عينه بتقول كل حاجة. محمد يبتسم ابتسامة حزينة، ويرفع عينه للسقف كأنه بيخبّي الدموع:
محمد (بهمس):
"خلي بالك من قلبي يا فارس… خلي بالك من فرح"
فارس يميل عليه، يحضنه حضن قوي، من غير كلام… بس حضن فيه ألف وعد وألف دمعة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ليل هادئ – محمد في سيارته
المدينة نامت… لكن عيون محمد ما نامتش، ماسك موبايله بإيد فيها ارتجافة خفية، ويتصل.
صوت أحمد السوهاجي من الطرف الآخر، هادئ ومتفاجئ قليلًا:
"أستاذ محمد؟ مساء الخير… اتفاجأت لما شفت رقمك بصراحة… خير؟"
محمد بصوت متماسك رغم التعب:
"كنت محتاج أقعد معاك… نتكلم شوية… ضروري."
أحمد بدون تردد:
"طبعًا، أنا في بيتي دلوقتي، العنوان…"
ينهي المكالمة، ومحمد يشغل العربية.
،،،،،،،
بعد قليل – أمام باب شقة أحمد
محمد واقف قدام الباب، بياخد نفس عميق طويل… كأنه بيستعد لآخر معركة في حياته…
بيرن الجرس.
أحمد بيفتح الباب، بابتسامة ترحيب مشوبة بالدهشة:
"أستاذ محمد… اتفضل… اتفضل… لما كلّمتني، بصراحة اتفاجأت."
يدخل محمد، يجلس بهدوء غريب، كأن روحه اتقتلت ميت مرة قبل ما يوصل.
أحمد وهو بيقفل الباب:
"تحب تشرب حاجة؟ شاي؟ قهوة؟"
محمد بنظرة فيها كسرة:
"أنا مش جاي أشرب… أنا جاي عشان أطلب منك طلب عمري ما كنت أتخيل أطلبه من أي حد… وخصوصًا… منك."
أحمد يعتدل في جلسته، عينيه تلمع باهتمام واضح:
"الموضوع بخصوص فرح؟"
محمد بيهز راسه بهدوء، وبصوت أقرب للهمس:
"عارف يا أحمد، لما كنت بشوفك بتحاول تقرب من فرح… كنت بحس بنار جوايا…"
أحمد يرفع حاجبه باندهاش لكنه ساكت، بيستمع باحترام.
محمد يتنهد، صوته بقى أضعف، لكن أصدق:
"بس كنت فاهم النار دي… عارف ليه؟ لأنك الوحيد اللي بصتلها بنفس النظرة اللي أنا ببصلها بيها. أنت بتحبها… بصدق. من كل قلبك.
وأنا عرفت ده من أول مرة شفت عيونك وهي بتدور عليها وسط الناس.
وحبك ليها… نقي… طاهر… حتى لما عرفت إنها بتحبني، انسحبت في هدوء… ما حاربتش… ما جرحتش."
أحمد: (بهمس مرتبك)
"أنا… مش فاهم حضرتك تقصد إيه؟"
محمد بيرفع إيده بلطف، يوقفه:
"متقاطعنيش… اللي هقوله تقيل عليّا أكتر من ما تتخيل.
أنا… بموت يا أحمد.
عندي ورم في المخ… كبير… وضاغط على منطقة حساسة.
مسافر بعد كام يوم… واحتمال كبير جدًا… ما أرجعش."
أحمد، الصدمة في وشه مابتتخباش، بيحاول يتكلم، لكن محمد بيكمل:
"أنا مش جاي أودّع… ولا أشحت عطف.
أنا جاي أأمنك على أهم حد في حياتي.
فرح.
خلي بالك منها.
قرب منها… خليك ليها، وخلّيها تحبك…"
يتنهّد محمد تنهيدة مؤلمة، يقف، ودموعه على حافة الكلام:
"بس بالله عليك… متخليهاش تنساني.
ولو حصل وما رجعتش… متجبش سيرة القعدة دي لأي حد.
الأمانة دي بيني وبينك."
يتجه محمد لباب الشقة، يفتح، لكن صوته بيتوقف مع صوت أحمد اللي قام فجأة، ونداه من وراه بصوت مهتز:
أحمد (بيجري ناحيته):
"محمد!
أنا… أنا هخلي بالي من فرح.
بس…
إن شاء الله…
هترجع… وتعمل العملية… وهترجع لها… وتتجوزها… وهتبقى بخير."
يمد إيده… يحضن محمد حضن طويل ومليان صدق وحزن ودهشة. محمد بيطبطب على ضهره بصمت. بعد لحظة، بيتراجع محمد، ينزل السلم… وأحمد يفضل واقف على الباب، عينيه على السلم الفاضي، ونَفَسه تقيل.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فيلا أبو زيد – منتصف الليل
البيت كله نايم… والنور الخافت في الطرقات بيرسم ظلال باهتة على الجدران.
محمد داخل من باب الفيلا، خطواته تقيلة، وعينيه فيها وجع الكون.
ما راحش أوضته.
رجليه، كأنها متبرمجة، أخدته على أوضتها… أوضة فرح.
وقف قدام الباب لحظة… إيده بتتهز قبل ما تفتح المقبض.
فتحه بهدوء… ودخل.
فرح نايمة… وشها نصه غارق في الوسادة، ملامحها هادية… وكأنها ملاك من عالم تاني.
محمد قرب منها، قعد جنب السرير، وشه قرّب من شعرها، شَمّه بحنين، وتنفسها… كأنه بيختزن آخر نفس منها جواه.
دموعه نزلت في صمت… لا صوت، لا حركة، بس وجع كبير بينعكس في لمعة عيونه.
نزل على الأرض… قعد جنب السرير، وفضل يبص لوشها… تفصيلة تفصيلة، كأنه بيحفرها جواه، كأنه بيحفظ شكلها لو بعد عنها.
قبل ما يقوم…
إيد فرح فجأة تمسك إيده.
بصوت ناعم، مابين النوم والصحيان:
"خليك جنبي النهاردة…"
ما ترددش.
قعد جنبها على السرير، فتحلها حضنه… حضنها كأنها طفلته الصغيرة… وحبيبته الوحيدة.
نامت جواه.
وهو حاوطها بذراعيه… قلبه بيخبط على ضهرها، وهو بيسمع نفسها بهدوء، وكأن ده آخر أمان ليه في الدنيا.
---
بعد ساعات
محمد صحي قبلها…
بهدوء شديد، فك حضنه من حواليها، قام من غير ما تصحى،
وقف جنب السرير، بص لها لحظة…
وقرب من ودنها وهمس بصوت مهزوز:
"آسف… آسف من كل قلبي."
خرج من الأوضة…
وساب وراه ريحة عطرة على المخدة…
وذكريات بتوجع القلب.
---
فرح بتفتح عينيها ببطء…
بتتحرك وهي مش متأكدة…
هل كان هنا؟ ولا حلم؟
بتشم ريحة البرفيوم…
بتبتسم ابتسامة صغيرة حزينة، وبتقوم من السرير.
تاخد شور، تلبس، وتقرر تروح الجامعة.
---
محمد في الوقت دا…
بيخرج من شاور هادي، يلبس، وياخد شنطته، ويمشي على الشركة…
من غير ما يقابلها.
---
أسفل السلم – فرح بتنزل على الباب
بتقابلها ليلى، تقف قدامها وتحاول توقفها:
ليلى، بصوت فيه رجاء:
"فرح…
هتفضلي متجهلاني كده لحد إمتى؟
أنا بحبك…
مكنتش أقصد كل ده يحصل…
مكنتش أعرف إنك بنت عماد والله…"
فرح، بنظرة واجعة، وبصوت ثابت:
"الفكرة مش إني بنت عماد ولا لأ…
الفكرة إنك حرمتيّني من أهلي… أيًّا كانوا مين هما .
وجعتي قلبهم…
وموتي ضميرك."
تكمل وهي بتحاول تمسك دموعها:
"أنا مش هنكر… إنتي عمرِك ما قصرتي معايا في حب ولا حنان…
بس اللي عملتيه…
ميتنسيش.
أنا لو قاعدة في البيت ده…
فأنا قاعدة عشانه هو… محمد."
تسيبها، وتمشي.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فيلا أبو زيد – الليل
البيت ساكن…
صمت تقيل بيغلف كل شيء.
فرح رجعت من الجامعة، تعبانة ومشغولة البال، لكنها قررت تنزل تقعد شوية في الجنينة يمكن الهوا يفوقها.
وهي قاعدة، بتسمع خطوات حد جاي من وراها.
تلف تلقائيًا…
محمد.
وشه باين عليه التعب… مش بس تعب الجسم، ده وش شخص بيموت من جواه.
بيقرب منها، يقف قدامها لحظة…
ثم يجلس جنبها، على نفس الكرسي.
فرح، بصوت منخفض:
"كنت فاكرة مش هتقعد معايا تاني."
محمد، وهو بيبتسم ابتسامة صغيرة متكلفة:
"أنا كان لازم أتكلم…"
سكت شوية، وبص لها، لكن بسرعة بص بعيد.
فرح، بتقلق:
"فيه إيه؟ محمد، في حاجة؟"
محمد، وهو بيكتم ارتجافة صوته:
"آه… في حاجة مهمة جدًا لازم أقولها."
فرح، وهي بتتلفت ليه بقلبها اللي بدأ يدق بسرعة:
"قلقتني… مالك؟"
محمد، بصوت هادي لكنه حاد كحد السكين:
"إحنا…
ماينفعش نكمل مع بعض يا فرح."
كأن الزمن وقف.
الهواء اتقطع.
فرح اتجمدت.
عيونها وسعت، ثم رمشت كأنها بتحاول تفهم الجملة اللي اتقالت.
فرح، بصوت مكسور:
"إنت بتقول إيه؟"
محمد، عينه ف الأرض:
"أنا مش الشخص اللي ينفعلك.
إنتي تستاهلي حدّ مرتاح، عيلته كاملة، قلبه سليم… وأنا لا عندي ده، ولا بقيلي كتير أقدمه."
فرح، وهي بتنهض واقفة قدامه:
"إنت بتتخلى عني؟ بعد كل ده؟
بعد ما حياتي كلها بقيت حواليك؟"
محمد، وهو بيرفع عينه ليها… نظرة مكسورة، لكنها ثابتة:
"أنا مش بتخلى عنك.
أنا بقدّم لك حريتك…
قبل ما تشيلي وزر وحدة مش هتقدري تفهمي سببها غير بعد فوات الأوان."
فرح، بصوت متقطع، ودموع بدأت تسيل:
"إنت بتكذب.
إنت فيك حاجة ومش عايز تقول.
أنا حاسة…
محمد، قولي الحقيقة بالله عليك!"
محمد، وهو بيقوم ويمسك إيديها:
"الحقيقة إني بحبك.
بس مش دايمًا الحب بيكفي.
أوقات بنحب الناس وعايزين نفضل معاهم…
لكن بنبعد…
عشان نرحمهم منّا."
فرح تنهار، تحاول تسحب إيديها:
"سيبني…
أنا مش مصدقة.
إنت مش محمد اللي بحبه…
محمد عمره ما يبعني."
محمد، صوته مبحوح من البكاء اللي بيكتمه:
"أنا اللي بعمله دلوقتي…
مش عشان أبيعك.
عشان تكملي…
تعيشي…
تبقي بخير."
فرح تصرخ بصوت مكسور:
"أنا بخير بيك!
مش من غيرك!"
محمد، بهدوء مرعب:
"سامحيني يا فرح…
أنا مش هقدر أكمل…
بس عمري ما هبطل أحبك."
يمشي… يبعد عنها وهي منهارة… قاعدة مكانها، كأنها فقدت توازن الأرض اللي تحتها.
محمد وهو طالع السلم ببطء… كل خطوة كأنها خنجر.
ثم فرح تقعد على الأرض، دموعها نازلة، وإيديها على صدرها… وكأن قلبها بينسحب منها.
فرح بصوت مكسور:
"ليه يا محمد؟… ليــــــه؟"
***********
بقلم / سمر الكيال
حسناء الكيال
** انتظروني البارت القادم **
تعليقات
إرسال تعليق